سورة النَّمل 027 - الدرس (7): تفسير الأيات (045 – 053)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة النَّمل 027 - الدرس (7): تفسير الأيات (045 – 053)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة النّمل

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة النَّمـل - (الآيات: 045 - 053)

23/11/2011 15:42:00

سورة النمل (027)
 
الدرس (7)
 
تفسير الآيات: (45 ـ 53)
 
 
لفضيلة الأستاذ
 
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ،  واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس السابع من سورة النمل ، انتهينا في الدرس الماضي من قصَّة سليمان مع الملكة بلقيس ، واليوم ننتقل إلى قصَّةٍ أخرى ، وهي قصَّة قوم ثمود مع نبيِّهم وأخيهم سيدنا صالح ، يقول الله سبحانه وتعالى :
         ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (45)  ﴾ .
( سورة النمل ) .
 
قصةُ صالح مع قومه ثمود : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً
 
1 – الحكمةُ من إرسال الأنبياء :
إرسال الله الأنبياء إلى الأمم حق ، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى لحرصه على هداية الخلق لابدَّ من أن يرسل إليهم من يبيِّن لهم ، وإذا انقطعت رسالات الله عزَّ وجل بعد سيدنا محمد صلى وسلَّم فإن الله تعهَّد لهذه الأمَّة أن يبعث إليها من يجدِّد لها دينها ، فهذا دور العلماء الذين ينطقون بالحق نيابةً عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فالإرسال مستمر .
وربنا سبحانه وتعالى له أساليبه في تبليغ الناس الحق ، أحياناً يضيِّق عليهم ، وكلكم يرى أن الضيق الذي يقدِّره الله عزَّ وجل لأمَّةٍ ما إنما هو في سبيل إيقاظها ، التقنين الذي يقدِّره الله لأمةٍ ما ، إنما هو في سبيل تذكيرها ، الإنسان حينما يقنِّن فإنه يقنِّن تقنين عجزٍ وتقنين ضعفٍ ؛ لكن الله سبحانه وتعالى حينما يقنِّن فإنه يقنِّن تقنين تأديبٍ وتذكير ، فالمصائب تذكَرِّ، والضيق يُذَكِّر ، وأقوال الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه تذَّكر ، وكتاب الله الذي بين أيدينا يذكِّر ، وبعض الحوادث تذكِّر .
وفي كل شيءٍ له آيةٌ    تدلُّ على أنـه واحدُ
***
يا أيها الإخوة الأكارم ... لننُتْرَكَ سُدى لأننا لم نخلق عبثاً ، أنا أردت من كلمة :
 
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (45)  ﴾ .
فأنت أيها العبد لن تُتْرَكَ سُدى ، لن يدعك الله من معالجته ، فإما أن تأتيه طائعاً ، وإما أن تأتيه على أثر مشكلةٍ ، أو تضييقٍ ، أو مصيبةٍ ، أو زجرٍ ، أو ما إلى ذلك ، فربنا سبحانه وتعالى خلق الخلقليسعدهم ، ولن يسعدوا إلا بمعرفته ، والاستقامة على أمره ، لذلك لابدَّ من أن تأتيه طائعا ، وإن لم تفعل فهو قادرٌ على أن يسوقك إليه سَوْقَاً ، فهذا كلام دقيق ، أنت جئت إلى هذا المسجد ، وسمعت هذا الدرس ، أنت الآن أصبحت مسؤولاً عن كل شيءٍ سمعته ، وهذا الذي لم يأتِ سيُسأل وسيُحَاسَب ..
 
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(93) ﴾ .
(سورة الحجر)
﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى(36) ﴾ .
(سورة القيامة)
هكذا بلا تذكير ؟ بلا شرع ؟ بلا منهج ؟ بلا كتاب ؟ بلا حساب ؟ بلا عقاب ؟ ..
 
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدَى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى(38) ﴾ .
(سورة القيامة)
﴿ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ(3)بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ(4) ﴾ .
(سورة القيامة)
 
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا  ﴾ .
(سورة ص : من آية " 27)
فمن كلمة :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (45)  ﴾ .
أيْ قوم ثمود ..
﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى  ﴾ .
(سورة فصلت : من الآية  17  )
لن يدع الله قوماً ولا أمَّةً ، ولا فرداً ولا مخلوقاً من دون أن يَدُلَّه عليه ، وفي الدعاء الشريف :دلَّنا بِكَ عليك " .
2 – المؤمنُ داعيةٌ مبلِّغٌ :
إذاً : ماذا نستنبط من هذه القصَّة ما دام الله سبحانه وتعالى قد أرسل إلى ثمود أخاهم صالحاً ؟ فأنت أيها المؤمن هكذا تستمع إلى كتاب الله صباح مساء ، تحضر خُطَبَ الجمعة ، تحضر مجالس العلم ، قد يأتي مَن يذكِّرك ، قد يأتي من يُلْفِتُ نظرك ، قد يأتي من يحذِّرك ، قد يأتي من يبشِّرك فيجب أن تستجيب ، دقِّقوا في قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ  ﴾ .
(سورة الأنفال : من الآية 24)
الله سبحانه وتعالى يدعوكَ كي تكون حَيَّاً ، قد تقول : مَن أنا ، هل أنا ميت ؟ ربنا سبحانه وتعالى يصف الكفَّار بأنَّهم ميِّتون ، قال :
﴿ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(21) ﴾ .
( سورة النحل )
﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ(22)﴾ .
(سورة فاطر)
ما هو النذير ؟
 
حينما يهتمُّ الإنسان بدنياه فقط ، ويُعْرِضُ عن آخرته ، ولا يفكِّر فيها فهو في حكم الميِّت ، إذاً : فالله سبحانه وتعالى حينما قال في كتابه الكريم :
﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ﴾ .
(سورة فاطر : من آية 37)
العلماء فسَّروا النذير بأنه القرآن ، وفسَّروه بأنه النبي عليه الصلاة والسلام ، وفسَّروه بأنه سنُّ الأربعين ، وفسَّروه بأنه الشيب .. " عبدي شاب شعرك ، وضعُفَ بصرك ، وانحنى ظهرك ، وضعفت قوَّتك فاستحيي مني فأنا أستحيي منك " .
وفسَّر العلماء النذير بالمصائب ، وفسَّر العلماء النذير بموت الأقارب ، فربنا سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا ، خلقنا ليرحمنا ، خلقنا ليعرِّفنا بذاته، " اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتُّك فاتك كل شيء وأنا أحبّ إليكَ من كل شيء " .. إذاً : لابدَّ من معرفة الله عزَّ وجل ، وأصل الدين معرفة الله .
أتمنَّى عليكم أن تقفوا معي على هذه الفكرة ، قد يقول أحدكم : أنا طبيب ، أنا مهندس ، أنا تاجر ، والعلم جميل لطيف لكن ليس هذا اختصاصي ، من قال لك ذلك ؟ هذا العلم الديني يشبه التنفُّس ، وجودك متوقِّفٌ عليه ، سلامتك متوقِّفةٌ عليه ، سعادتك متوقِّفةٌ عليه ، كمال وجودك متوقِّفٌ عليه ، استمرار وجودك متوقِّفٌ عليه ، وجودك ، وسلامة وجودك ، وكمال وجودك ، واستمرار وجودك متوقِّفٌ على تطبيق منهج الله عزَّ وجل، فطلب العلم الشرعي فرض عين ، لابدَّ من أن تعرف الله عزَّ وجل وإلا فلابدَّ من أن تقع في متاهاتٍ كبيرة .
أنت كَسيارة منطلقة بسرعة ، وسرعتها تعني هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان ، إنها تدفعك نحو إروائها ، نحو الطعام والشراب ، نحو تحقيق الملذَّات ، هذه الشهوات التي أودعها الله في الإنسان كأنَّها قوَّةٌ محرِّكة ، هذه السيارة التي تنطلق بسرعةٍ فائقة، إنَّ احتمال أن تتدهور من دون ضوءٍ كاشفٍ وهي تمشي في الليل ، في ظلامٍ دامس ، وفي طرقاتٍ ملتوية ، احتمال تدهورها كم بالمئة ؟ الجواب مئة بالمائة ، فأن تكون للسيَّارة مصابيح كشَّافة ، هذه المصابيح ليست للزينة ، ولا يمكن الاستغناء عنها ، لا ، إنها من ضروريات السيارة ، وهذا العلم الذي تتعلَّمه من ضروريات وجودك ، من ضرورات سلامة وجودك ، من ضرورات كمال وجودك ، من ضرورات استمرار وجودك .
 
طرُقُ التذكيرِ متنوِّعة :
 
إذاً : الله سبحانه وتعالى لن يدع الناس سُدَىً ؛ لا جماعاتٍ ولا أفراداً ، لابدَّ من أن يذكِّر ، قد يذكِّرك بنصيحة ، وقد يذكِّرُكَ بضيق ، وقد يذكرك بمصيبة ، وقد يذكرك بطريقةٍ أو بأخرى ، أما الموفَّق والسعيد فهو من يتذكَّر بالطريقة السليمة ، هذا الكتاب كتاب الله ، ولقد يسَّره الله ..
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ﴾ .
(سورة القمر : من الآية 17)
فلابدَّ من أن تتذكَّر ، وإلا كانت العاقبة وخيمة ، قال له : " عظني وأوجز " ، فقال عليه الصلاة والسلام لهذا الأعرابي: (( قل آمنت بالله ثمَّ استقم )) ، قال : " أريد أخفَّ من ذلك " ، قال عليه الصلاة والسلام : (( إذاً فاستعدَّ للبلاء )) .
[ ورد في الأثر]
ولو ذهبت تتأمَّل طريقة معاملة الله لعباده تجد أن الهدف الأكبر هو أن يعرفوه ، وأن يستقيموا على أمره ، وأن يتقرَّبوا إليه ، فإن فعلوا كان بها ، وإلاكانت الإجراءات الأخرى ، كانت الأساليب الأخرى ، فلهذا يقول الله عزَّ وجل :
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (45)  ﴾ .
 
لماذا أرسل الله عزَّ وجل صالحاً إلى ثمود ؟ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ
 
لماذا أرسل الله عزَّ وجل صالحاً إلى ثمود ؟ قال :
﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (45)  ﴾ .
 
1 – أنت أيها الإنسانُ عبدٌ مملوك لله :
أنت عبدٌ لله ، أنت لا تملك شيئاً ، أنت مملوك ولست مالِكاً ..
﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ ﴾ .
(سورة البقرة : من الآية26 )
ما دمت مملوكاً فيجب أن تعرف الذي يملكك ماذا يريد ؟ إذا دخلت إلى دائرة ، وقد عُيِّنْتَ فيها موظَّفاً ، أول سؤالٍ تسأله : المدير ماذا يحب ؟ ماذا يكره ؟ كيف أستميله ؟ كيف أسترضيه ؟ كيف أتفادى أن أُغْضِبَهُ ؟ هذا شيء مهم جداً ، إذا كنت عبداً فيقبضة الله عزَّ وجل ، ولا تملك من الأمر شيئاً ، فينبغي أن تعلم ماذا يرضي الله عزَّ وجل ، لو كنت حرَّاً تفعل ما تشاء ، أما إذا كنت عبداً ما هكذا تصنع العبيد ، سؤال دقيق : من أنت ، هل أنت حُرُّ أو عبدٌ ؟ هل أنت مالكٌ أو مملوك ؟ هل أنت قادرٌ أو مقدورٌ عليك ؟ هذا ينبغي أن تعلمه علماً أكيداً ، فلذلك :
﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (45)  ﴾ .
 
2 – المنهج الإلهي يتوافق مع الفطرة وعقل الإنسان :
الله سبحانه وتعالى حينما خلق الإنسان ، وجعل له منهجاً ، هذا المنهج الإلهي يتوافق ويتطابق تطابقاً تامَّاً مئة بالمئة مع العقل البشري ، وما من توجيهٍ إلهي يقول العقل السليم له : لا ، أبداً ، وما من شيءٍ يأتي به القرآن إلا والعقل يوافقه أتمَّ موافقة ، هذه ناحية ، وهذا المنهج الإلهي أيضاً يتطابق مع الفطرة .
قلت لكم مَرَّةً كلمة قرأتها في صحيفة لا أحد ينتبه إليها ، قد تبدو تافهة ، ولكنَّني استنبطت منها مغزىً عميقاً ، سألوا امرأة تعمل في الفن ، وهي في أوج نجاحها ، في أوج تألُّقِهَا ، سألوها : ما شعوركِ وأنتِ على خشبة المسرح ؟ قالت : " شعور الخزي والعار ، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور " ، هذه المرأة التي ذكرت قبل قبيل لا تعرف ما الإسلام ، ولا تعرف ما القرآن ، ولا تعرف العربيَّة ، عاشت في بيئةٍ ماديَّة ، لكنّ فطرتها سليمة ، ويبدو أنها صادقة مع نفسها حتى قالت هذا الكلام ، هذا هو الإسلام ، حينما تخالف المرأة أمر ربِّها تخرج عن فطرتها ، فكأنَّ الدين هو الفطرة ، أنت لا ترتاح إذا خالفتَ الفطرة التي فطرك الله عليها .
فهؤلاء الذين ينكرون وجود الله عزَّ وجل ماذا يفعلون ؟ يذهبون إلى المنجِّمين أحياناً ، لماذا ؟ لأنه شعر أن هناك قِوى خفيَّة بيدها مصيره ، يا ترى كيف يموت ؟ متى يموت ؟ هل يوفَّق أم لا يوفَّق ؟ هل يأتيه مرض في وقتٍ مبكِّر ؟ هل ينجو من هذا المرض ؟ تجد شخصاً كبيراً له شهادات عُليا ، وله أفق واسع ، وله مؤلَّفات ، ويحتل أعلى المناصب ، يقف أمام بابَ منجِّمٍ في بعض بلاد الغرب ليستطلع المستقبل ، هو يؤكِّد فطرته ، فالإنسان لا يرتاح إلا إذا اطمأنَّ إلى قوَّةٍ غيبيَّةٍ بيدها كل شيء ، فالمسلم عرف أن هذه القوَّة الغيبيَّة هي الله عزَّ وجل ، أما غير المسلم يظنُّ أن المنجِّم يعرف ، وأن فلاناً يعرف ، وأن علانًا يعرف ، وأن الكاهن يعرف ، وأن الساحر يعرف .
فإذا أردت أن تسعد في الدنيا والآخرة فلابدَّ من أن تتبع منهج الله عزَّ وجل ، هذا المنهج يتطابق أتمَّ المطابقة مع العقل ، لأن هذا كلامه ، وهذا منهجه ، والعقل الذي أودعه الله فيك من خلقه ، والخالق واحد ، منزِّل هذا الكتاب هو ذاته خالق هذا العقل ، إذاً : لا يمكن أن يقول الله لك شيئاً ، ويقول العقل بخلافه ، مستحيل ، لا يمكن أن يقول الله شيئاً ، وتقول الفطرة شيئاً خِلاف هذا القول .
في أي مجتمع ، في أي زمن ، في أي عصر ، في أي مِصر ، في أي ظروف ، في أي بيئة ، أيكون العدوان على زوجة صديقك عملاً مقبولاً ؟ لا ، لأنّ الزنا محرّ‍م ، أيكون توليد المال من المال .. أي الربا .. شيئاً مقبولاً ؟ لا ، هذا الذي يُنَمِّي المال عن طريق المال من دون أن يقدِّم شيئاً للمجتمع ، من دون أن يعمل ، حينما ينمو المال لا عن طريق العمل ولكن عن طريق المال نفسه ، هذا هو الربا بعينه ، إذا ماذا يعمل الربا ؟ هذا يجعل هذه الكتلة النقديَّة الكبيرة في أيدٍ قليلة ، نهاية هذا الوضع أن أناساً قليلين يملكون كل شيء ويأكلون ما يشتهون ، بينما وأناسٌ كثيرون جداً لا يملكون شيئاً ، هذا الخلل في المجتمع سببه الربا ، ما دام هناك طريق لكسب المال من دون جهد ، من دون بذل عمل ، إذاً : هناك مخالفة للشرع ، فنظام الله عزَّ وجل ، لأنه من عند الخالق ، من عند الصانع ، من عند العليم الخبير ، من عند الخلاَّق العليم ، من عند خالق السماوات والأرض ، من عند خالق الإنسان، من عند الذي صوَّر الإنسان ، والذي خلق بُنْيَةَ الإنسان يعلم كل شيء ، فقرَّر أن الربا حرام ، وأن الإنسان لابدَّ من أن يعمل .
فأنت مثلاً : إذا كنت تملك آلة غالية الثمن جداً ، ومعها تعليمات ، أتذهب إلى جارك الذي يعمل في عملٍ يدوي ، ولم يقرأ شيئاً ، والجهاز معقَّد جداً ، وهو جهاز إلكتروني يحتاج إلى خبراء ، إلى مهندسين ، أصابه عطب ، هل تذهب إلى هذا الإنسان الجاهل كي يعطيك التوجيهات لاستعماله ، أم تذهب إلى صاحب المعمل ، أو إلى مهندس الشركة ، أو إلى كُتيِّبه الدقيق ؟ هكذا أنت ، فالإنسان خَلْقٌ معقَّد جداً ، فيه شهوات ، فيه ميول ، فيه نوازع ، له فكر ، وله نفس ، وفيه جانب اجتماعي ، وجانب نفسي ، وجانب عقلاني ، تواجهه ظروف صعبة ، ويحيا ضمن بيئات معقَّدة ، فكيف ينجو ؟ كيف يسعد ؟ كيف يرقى؟ كيف يحقِّق أهدافه في الدنيا والآخرة ؟ لابدَّ من تطبيق منهج الله عزَّ وجل .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (45)  ﴾ .
 
لو لاحظت القرآن كلُّه ، وقصص الأنبياء كلِّها ، والرسالات السماويَّة كلها تدعو إلى شيءٍ واحد .
﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (45)  ﴾ .
 
مهمة المخلوق عبادة الخالق :
 
فهذا المخلوق معه منهج ، هل طبَّقت هذا المنهج ؟ في هذا المنهج عقيدة ، يقول لك الله : مَن أنت ؟ أين كنت ؟ إلى أين المصير ؟ ماذا ينبغي أن تعمل ؟ افعل ولا تفعل ، في هذا المنهج طرائق صحيحة لمعاملة الناس ، هذه المعاملات ، في هذا المنهج وسائل فعَّالة للاتصال بالله عزَّ وجل ، فيه جانب منه عقائد ، وفيه عبادات ، كما أنَّ فيه معاملات ؛ من في عمل أهم ، ولا من عمل أعظم ، ولا من عمل أخطر من أن تَعْكِفَ على هذا المنهج لتدرسه .
       إذا حضرت مجلس علمٍ يُفَسَّر فيه كلام الله أنت ماذا تفعل ؟ أنت مخلوق جاء الله بكَ إلى الدنيا كي تحقِّق رسالة ، وفي مجيئك للمسجد وسماعك تفسير كلام الله عزَّ وجل هو مرحلةٌ أولى في تطبيق هذه الرسالة، كيف تطبِّق هذا المنهج وأنت لا تعرف صاحب المنهج ؟ كيف تطبِّق هذا المنهج وأنت لا تدري ما المنهج ؟ المنهج كتاب الله .
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)  ﴾ .
 
الناس قسمان : فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ
 
الناس رجلان ، فلو قَسَّمت الناس مائة قسمٍ ، هذه الأقسام المائة لا تزيد عن أنها في فئتين فقط ، فئةٍ مؤمنةٍ وفئةٍ كافرة ، الفئة المؤمنة تسير على منهج الله ، يشعر المؤمن أنه عبدٌ لله ، وأن الله على كل شيءٍ قدير ، وأن هذا الكتاب كتابه ، الكافر يكذِّب ويعرض وُتحرِّكُه شهواتُه ، لهذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( فَالنَّاسُ رَجُلانِ : بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ )) .
(سنن الترمذيعن ابن عمر)
وإذا رأيت ما يصيب الناس مَن همٍ أو حزنٍ ، وما يصيبهم من قحطٍ ، من انحباس الأمطار ، هذا كلُّه علاجٌ من الله عزَّ وجل ، وقد يُفَسَّر هذا بكلمتين : هان الله عليهم فهانوا على الله ، فكيف هان الله عليهم ؟  إنك ترى الناس لا يبالون أطاعوا ربَّهم أم عصوه ، يقول لك : لا تدقِّق ، أكان كسبهم حلالاً أمْ حراماً ؟ أكان هذا الاختلاط يرضي الله أمْ لا يرضي الله ؟ لا يفكِّر ، يهمُّه تحقيق رغباته ، ما دام الله قد هان عليه إذاً هو أيضاً هان على الله ، فلابدَّ من أن يُعَالَجْ ..
﴿ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)  ﴾ .
وملَّة الكفر واحدة ، الكافر هو الكافر من عهد سيدنا آدم وإلى يوم القيامة ؛ أقواله ، أفعاله ، أفكاره ، قِيَمُه ، نزواته ، طريقته في الحديث ، طريقته في المُزاح ، علاقته مع الناس مبنيَّةٌ على المنفعة والمصلحة ، والأثرة وحبِّ الذات ، وإنكار القيَم ، ويريدها عوجاً ، يبغونها عوجاً ، والصدُّ عن سبيل الله ، أبداً ملَّة الكفر واحدة ، والمؤمنون منذ سيدنا آدم وحتَّى قيام الساعة لهم طريقةٌ واحدة ..
((المؤمنون بعضهم لبعضٍ نصحةٌ متوادّون ، ولو ابتعدت منازلهم ، والمنافقون بعضهم لبعضٍ غششة متحاسدون ، ولو اقتربت منازلهم )) .
[ ورد في الأثر ]
المؤمن هو المؤمن والكافر هو الكافر ، المؤمن في حركاته اليوميَّة، في كسبه للمال ، في إنفاقه للمال ، في علاقاته الاجتماعيَّة ، في علاقاته بالله عزَّ وجل ، المؤمن هو المؤمن في كل زمانٍ ومكان ، والكافر هو الكافر ، أقوال أهل الكفر واحدة ، أقوال أهل الإيمان واحدة ، لذلك :
﴿ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ (45)  ﴾ .
 
ينبغي أن توطِّن نفسك أن الذي لا يعرف الله لابدَّ من أن يخاصمك ، ولابدَّ من أن يُسَفِّه أٌقوالك ، ولابدَّ من أن يبحث عن عيوبك ، أما المؤمن فإذا عرف الله عزَّ وجل اطمأنَّت نفسه   .
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ (46) ﴾ .
 
قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ
       
بعض الناس أحياناً إذا أردت أن تخوِّفه ، إذا أردت أن تحذِّره ، أن تَلْفِتُ نظره يقول لك : ائتني بعذاب الله ، وأنا مستعد ، هذا كلام الحمقى ، كلام المغرورين ، كلام التائهين ، كلام الشاردين ، كلام الجهلة ، ائتني بعذاب الله ، وهو واللهِ الذي لا إله إلا هو لا يحتمل أَلَمَ الضرس ، الذي يقول لك : ائتني بعذاب الله ، ليفعل الله ما شاء معي ، لا يحتمل آلام الأسنان فقط ..
﴿ قَالَ يَا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) ﴾ .
 
لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
 
رحمة الله ، هذا التجلِّي الإلهي الذي يُصَبُّ على قلب الإنسان ، هذه السعادة التي لا يعرفها إلا مَن ذاقها ، هذا الشعور بالأمن الذي لا يُحِسُّ به إلا مَن دخل فيه ..
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(81)الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ(82)  ﴾ .
( سورة الأنعام)
 
ما أمرَك الله بعبادته إلا بعد أن طمأنك أن الأمر كلّه بيده :
 
الإنسان إذا لم يعرف الله عزَّ وجل تواجهه ملايين المُقْلِقَات ، يا ترى هل يصاب بمرضٍ خبيث ؟ لا يَعرف ، الأمراض بابٌ كبير من أبواب القلق ، الأشخاص الآخرون الأقوياء أحد مصادر القلق عند أحدهم ؛ أهله وأولاده ، عمله ، كسب رزقه ، فهناك مليون باب للقلق ، إذا الواحد ما عرف الله عزَّ وجل حياته مشحونة بالمُقلقات ، بالمخاوف ، بالأحزان ، تجده دائماً متوتِّراً ، يائساً ، مقهوراً ، يشعر بالضياع ، أما إذا عرفت الله عزَّ وجل تقول ببساطة : هذا الإله العظيم الذي أمرني أن أعبده لا يمكن أن يكون مصيري إلا بيده ، لو كان مصيري بيدِ غيره كيف يأمرني أن أعبده ؟ فأنت لو أن مصيرك بيدِ إنسان .
لو أن إنساناً ما بإمكانه فعلاً أن ينفعك أو أن يؤذيك ، لك على الله حجَّة ، تقول : يا رب ، أنا سأعبده لأنجو من شرِّه ، لكن ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ  ﴾ .
(سورة هود : من الآية 123)
هذا الذي أمرك أن تعبده لا يمكن إلا أن يكون الأمر كلُّه بيده ..
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ  ﴾ .
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ(55)إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(56) ﴾ .
(سورة هود)
كيف تعبده ، وأمْركَ بيد غيره ؟ لن تعبده ، لن تستطيع أن تعبده ، لذلك فإنَّ كل إنسان يشرك بالله تجده يتصاغر لهذا الذي أشركه مع الله ، ويتقصَّى مرضاتهم ، ويخاف من غضبهم لأنه يعتقد أن بيدهم نفعه وضرُّه ، وهذا هو الشرك ..
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ  ﴾ .
(سورة الفتح : من الآية 10)
﴿ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ  ﴾ .
(سورة الأعراف : من الآية 54)
آيات التوحيد في كتاب الله لا تعدُّ ولا تحصى ، كثيرةٌ جداً ، فإذا قرأت كتاب الله عزَّ وجل :
﴿ مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(2) ﴾ .
(  سورة فاطر)
(( اعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ )) .
[ الترمذي عن ابن عباس ]
﴿ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ  ﴾ .
(سورة المؤمنون : من الآية 32)
إذا وحَّدت فأنت تعبد الله ؛ أما إذا أشركت فأنت لا تعبد الله ، تعبد هذا الذي أشركته مع الله ، فالزوجة مثلاً : لو أنها اعتقدت أن زوجها إما أن يسعدها ، وإما أن يشقيها ، فأمرها بمعصية ، فأطاعته فهي عندئذٍ مشركة ، يجب أن تخرجي هكذا ، يجب أن تستقبلي أصدقائي ، فإذا رأت أن زوجها بيده أن يطلِّقها أو أن يبقيها ، ونسيتْ ربَّها ، فأطاعته فهي مشركة ، لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ، أما الزوجة المؤمنة فتقول له : لا أفعل هذا ، فإذا بقلب زوجها يلين ، فإذا بزوجها يهتدي على يديها ، وهذا ممكن ، والعكس صحيح أيضاً ، وعلاقتك مع أخيك ، مع أقربائك ، مع جيرانك ، مع من هو فوقك ، مع من هو دونك ، وهكذا ..
﴿ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (46) ﴾ .
 
العبرة بالقلب الطاهرة لا بالصورة :
 
أجل نستغفر الله ، فهذه الرحمة بعينها ، إن الله طيّبٌ ولا يقبل إلا طيباً ، هذه الرحمة لا تتنزَّل إلا على قلبٍ طاهر ، لذلك قالوا : القلب بيت الرب ..
(( عبدي طهَّرت منظر الخلق سنين أفلا طهَّرت منظري ساعة)) .
[ ورد في الأثر ]
هذاالقلب ينظر الله إليه ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ )) .
[ مسلم ]
هل في هذا القلب غِش ؟ هل في هذا القلب حقد ؟ هل في هذا القلب حَسَد ؟ هل في هذا القلب ضغينة ؟ هل في هذا القلب عجب ؟ هل في هذا القلب إعراضٌ عن الله عزّ وجل ؟ إذا كان القلب سليماً نَعِمَت الحياة ..
﴿ يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ(88)إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89) ﴾ .
( سورة الشعراء)
﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ (47) ﴾ .
 
قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ
 
1 – معنى : اطَّيَّرْنَا :
معنى اطَّيَّرْنَا ، أي تشاءمنا .
2 – انتشارُ التطيُّر والتشاؤمِ في الناس :
الآن دخلنا في موضوع دقيق ، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض أيَّام الأسبوع ، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض الأرقام ، هناك أناسٌ يتشاءمون من بعض الأشخاص ، يقول لك : قَدَمَهُ نَحْس ، هناك أناسٌ يحبُّون أن يستطلعوا أقوال الكُهَّان ، أقوال بعض المنجِّمين ، هناك أشخاصٌ على أقلِّ تقدير يقرؤون حظَّك في هذا الأسبوع في بعض المجلات ، هذا وُلِدَ في الشهر الفلاني ، فهذا برجه برج العقرب ، شروط برج العقرب ، هذا كلُّه باطلٌ لا أساس له من الصحَّة ، هذا كلُّه هُراءٌ بهراء ، هذا كله مخالفٌ للدين ..
(( مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )) .
[من مسند أحمد عن أبي هريرة]
3 – التطيُّر رجمٌ بالغيب :
سؤال الكاهن كفرٌ بَواح ، كفرت ، إذا سألت كاهناً ، مَن هو الكاهن ؟ هو مخلوق ، هل يعلم الغيب ؟ ماذا قال الله لك ؟ الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا(26)إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [.
(  سورة الجن )
﴿ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ  ﴾ .
(سورة الأعراف : من الآية 188)
4 – إتيانُ السحرة والكهان من الكفر البواح :
إذاً : فالنبي عليه الصلاة والسلام على عُلوِّ قدره وعظيم شأنه لا يعلم الغيب ، فكيف تسأل كاهناً ؟ كيف تُصَدِّق منجِّماً ؟ حتَّى إنه من أتى ساحراً ولم يصدِّقه ، فقط للتسلية ، لم تُقْبَل له صلاة أربعين صباحاً ، ولا دعاء أربعين ليلة ، هذامن أتى ساحراً فلم يصدِّقه ، أما إذا صدَّقه فقد كفر ، فقد وقع في الكفر البواح ، وهذا هو الدجل ، وهذا الخليط من الخُزعبلات والجهل ، والخرافات على الناس ، يقولون مثلاً : فُكّوا له السحر ، صُبّوا له ماء مع ملح ، وضَعوا له في طريقه ديكاً عندئذٍ ينتزع نهاره ، هذا كلُّه كلام الجُهَّال ، وهذه أباطيل وضلالات ..
﴿ قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ (47) ﴾ .
أي أصابنا شؤمٌ يا أخي ، أنت مِن وقت ما جئت أصابنا البلاء ، وقد كنَّا قبل مجيئك مرتاحين ، مستقرين ، أمورنا جيدة ، دخلنا وفير ، علاقاتنا طيِّبة مع بعضنا ، متوحِّدين ، فلمَّا جئت أنت يا أيها الذي تدعي أنك نبي جاءتنا المصائب ، والأحزان ، والهموم ، والتمزُّقات ، إذاً : نحن تشاءمنا بك ، فقال لهم :
﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ (47) ﴾ .
 
قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ
 
أيْ أن الخير بيدِ الله والشر بيد الله ، فإذا أصابكم شيءٌ فهذا بتقدير الله ، وبعدله ، وبحكمته ، ليس هذا من عندي ، الخير والشر بيد الله عزَّ وجل ، ومن أركان الإيمان أن تؤمن بالقدر خيره وشرِّه من الله تعالى ، فإذا أصاب إنسانًا مرضٌ عُضال قالوا : لأنه تزوَّج فلانة ، لا ، ليس لها علاقة ، هذا شيءٌ لا علاقة له إطلاقاً ، هذا كلامٌ فارغ ، الخير بيد الله ، والشر بيد الله ، وأيُّ شيءٍ يصيبك إنما هو بتقدير الله عزَّ وجل ، لا تتهم أحداً ، ولا تتطير من أحد ، ولا تتشاءم بأحد ، لا بيوم ، ولا تاريخ ، ولا رقم ، ولا شخص ، ولا بيت ، ولا مكان ، ولا زمان ..
﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ (47) ﴾ .
أي أن الله سبحانه وتعالى بحكمته وعدله قدَّر عليكم هذا الشر لحكمةٍ أرادها ..
﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) ﴾ .
 
بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ
 
1 – الأصل في الحياة الابتلاءُ والامتحانُ :
أنتم الآن في الامتحان ، ربنا عزَّ وجل يمتحن الإنسان ، يمتحن هذا الإنسان بالرخاء ، ويمتحنه بالشدَّة ، يمتحنه بالضيق ، يمتحنه بالانفراج ، فالإنسان معرَّض للامتحانات ..
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ(2) ﴾ .
(سورة العنكبوت)
مستحيل إلا أن يكون هناك ابتلاء وفتنة ، أنت هنا من أجل الابتلاء..
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2) ﴾ .
(سورة الملك)
سرّ‍ُ وجودك على هذه الأرض أنك لابدَّ من أن تُمْتَحَن ..
﴿فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ(15) ﴾ .
(سورة الفجر)
لا هذا ليس بإكرام ، ليس هذا إكراماً إنما هو ابتلاء ..
﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي(16) ﴾ .
  (سورة الفجر )
كلا ، ليس هذا كلاماً صحيحاً ، هذه المقولة ليست صحيحةً ، إن عطائي في الدنيا ليس إكراماً ، إنما هو ابتلاء ، وإن حرماني ليس إهانةً إنما هو دواء ..
﴿ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47) ﴾ .
 
2 – الأمر كلُّه بيد الله فلا تتّهم أحدًا !!!
يجب أن يعلم الإنسان علم اليقين أن مصيره بيد الله ، وأن الله مالك المُلك ، أيْ أنَّ أجهزته كلها تعمل بأمر الله عزَّ وجل ، فإذا تعطَّل أحد الأجهزة هكذا شاء الله ولحكمةٍ أرادها ، لا تتهم أحداً ، إذا جاء الرزق وفيراً هذه حكمة الله ، وإذا ضاق الرزق عليك فهذه حكمة الله ، ليس لك علاقةٌ بأحد ، أن تتهم الناس ، أن تتشاءم منهم ، أن تتطيَّر بهم ، أن تعزو بعض الشرور إليهم ، هذا كله كلام جهل .
﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) ﴾ .
 
وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ
 
1 – معنى الرهط :
الرهط تعني العصابة ، والعصابة ما دون العشرة .
 
2 – معنى العِصابة :
لكن لابدَّ من بيان كلمة عصابة في اللغة : ففي وقتٍ سابقٍ لم يكن لهذه الكلمة من معنىً يؤذي ، الكلمة كالكائن الحي ، تولد وتنمو ، وتتجه باتجاهاتٍ عديدة ، فهذه حقيقة في اللغة ، فمثلاً كلمة جرثوم كلمة شريفة جداً في أساس اللغة ، وهي تعني أصل الشيء ، فأحد الشعراء الكبار مدح المعتصم فقال :
خَليفَةَ اللَهِ جازى اللَهُ سَعيَكَ عَن       جُرثومَةِ الدِينِ وَالإِسلامِ وَالحَسَبِ
***
أيستطيع شاعرٌ الآن أن يمدح ملكاً فيقول له : أنت جرثومة الدين ؟ فكلمة جرثومة في أصل اللغة تعني أصل الشيء ، لكن تطوَّرت فأصبح لها معنىً آخر ، إذْ سميَّنا هذه الكائنات الدقيقة التي هي أصل الأمراض جراثيم ، فإذا قلنا لإنسان الآن : أنت جرثومة هذا المجلس ، فهذا سبابٌ .
إذاً : كلمة جرثومة تطوَّرت ، كذلك كلمة عصابة تطورت أيضاً ، وهي تعني في الأصل مُطْلَقُ الجماعة ، والنبي عليه الصلاة والسلام قال :
(( إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ )) .
[من صحيح مسلم عن عمر بن الخطَّاب]
لكن حينما استعملت هذه الكلمة لأناسٍ خرجوا على القانون ، فتقول : هؤلاء عصابة ، صارت كلمة عصابة لها معنىً آخر .
   فلذلك :
﴿ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) ﴾ .
 
يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ
 
1 – ما هو الإفساد ؟
الإفساد هو تفتيت المجتمع بالتفريق ، بين أن يكون المجتمع متماسكاً متآخياً ، محبَّاً لبعضه ، وبين أن يكون المجتمع متدابراً متحاسداً .
2 – النبيُّ بيَّن عواملَ الفساد لاجتنابها :
لذلك النبي الكريم بيَّن عوامل الفساد فقال عليه الصلاة والسلام أشياء كثيرة منها :
(( لا تَحَسَّسُوا ، وَلا تَجَسَّسُوا ، وَلا تَحَاسَدُوا ، وَلا تَدَابَرُوا ، وَلا تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )) .
[من صحيح البخاري عن أبي هريرة]
(( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لا يَظْلِمُهُ ، وَلا يُسْلِمُهُ ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ )) .
[من صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر]
(( الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ )) .
[من صحيح مسلم عن أبي هريرة]
إذا طبَّقنا هذا يكون المجتمع متماسكاً ، فإذا لم نطبِّق تفتَّت المجتمع .
هؤلاء الرهط كانوا يفسدون في الأرض ، ولا يصلحون .
﴿ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ (49) ﴾ .
 
معنى : تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ
 
أقسموا بالله .
﴿ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) ﴾ .
 
لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
 
1 – دأبُ الكافرين التآمرُ على الأنبياء :
إنهم تآمروا على قتل هذا النبي الكريم ، معنى تقاسموا أي أقسم بعضهم على بعضٍ بالأيمان المُغَلَّظة ، أيمكنك أن تقسم بالله لكي تقوم بجريمة ؟ أيسمح لك الله بذلك ؟ أحياناً الناس يستخدمون هذا ، يقسم بشرفه لأفعلَنَّ كذا سوءاً بفلان ، يقسم بالله لأفعلنَّ به كذا وكذا ، وهذا العمل خلاف الشرع ، كيف تشهد الله على معصية ؟ هؤلاء :
 
﴿ تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ (49) ﴾ .
 
2 – لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ
لنبيِّتنَّه بمعنى أن نتآمر عليه في الليل ، ننفِّذ هذا العمل ونقتله مع أهله ..
﴿ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ (49) ﴾ .
 
3 – لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ
بالليل ، فهم يحتالون على ولي هذا النبي الكريم ..
﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) ﴾ .
الآن :
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) ﴾ .
 
وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
 
1 – ما هو المكر ؟
ما هو المكر ؟ المكر هو التدبير .
     
2 – من يمكر ؟
من يمكرُ في العادة ؟ الجانب الضعيف ، لو أنه قوي لا يمكر .
3 – ما الشيء الذي يُبْطِلُ المكر ؟
ما الشيء الذي يُبْطِلُ المكر ؟ هو شيءٌ واحد أن يُكْشَف أمره ، فإذا كان الإنسان ضعيفًا ،  وخطَّط خطَّة ، فإذا كُشِفَتْ انتهى خطره ، لكن الله سبحانه وتعالى مطلعٌ على كل شيء ، وناظرٌ إلى كل شيء ، يعلم السرَّ وأخفى ، يعلم خائنة الأعين ، يعلم ما تُفَكِّر به ، يعلم ما تطمحُ إليه ، يعلم ما تتمنَّاه ، يعلم ما يخفى عنك ، يعلم السرَّ وأخفى ، فإذا كانت جهة من الجهات مكرت ، فهذا المكر عند الله مكشوف ، إذاً : أيُّ مكرٍ على وجه الأرض مخفق ، لأن الله سبحانه وتعالى يكشفه ، ويعاقب الماكر بمكرٍ يقابله ، فإذا قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا (50) ﴾ .
 
4 – معنى : مكر الله :
من معاني مكر الله عزَّ وجل أن مكره عقابٌ للماكرين .
من معاني مكر الله عزَّ وجل أن مكره دفاعٌ عن المؤمنين .
من معاني مكر الله عزَّ وجل أنه لصالح الفريقين ، مكر الله عقابٌ للماكرين ، ومكر الله دفاعٌ عن المؤمنين ، ومكر الله لصالح الفريقين ، لأن الله سبحانه وتعالى له أسماؤه الحسنى وصفاته الفُضلى ..
﴿قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى[.
(سورة الإسراء : من الآية 110)
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) ﴾ .
بعضهم يقول : هذا من باب المشاكلة ، الله عزَّ وجل ليس ماكراً ، ولا يمكر ، لكن إذا رأى جهةً كافرةً تمكر بالمؤمنين ماذا يفعل الله عزَّ وجل ؟ يردُّ على مكرهم هذا بتدبيرٍِ حكيم أيْ يبطل مكرهم ، هذا التدبير الحكيم الذي يُحقُّ الله فيه الحق سمَّاه الله مكراً مشاكلةً ..
﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(15)وَأَكِيدُ كَيْدًا(16)فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا(17) ﴾ .
(سورة الطارق)
فإذا مكر الله عزَّ وجل فليعاقب الماكرين ، وإذا مكر الله عزَّ وجل فليدافع عن المؤمنين ، وإذا مكر الله عزَّ وجل فمكره خيرٌ للفريقين ، أو نسمي تدبير الله الحكيم مكراً من باب المشاكلة ، وإذا عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم ..
﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ﴾ .
(سورة البقرة : من الآية 194)
هل يسمَّى إنزال العقاب بالمعتدي اعتداءً ؟ هذا من باب المشاكلة ، هذا من باب البيان والبلاغة ، إما أن تسمي تدبير الله الحكيم مكراً من باب المشاكلة ، وإما أن يكون مكرُ الله إحباطاً لمكر الكافرين ، وإنقاذاً للمؤمنين، أو نافعاً للطرفين ..
﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(30) ﴾ .
(سورة الأنفال)
معنى خير الماكرين أن مكره لا يفشل أبداً ، وأن مكره هو الأظهر، وهو الأقوى ، أنت وضعت خطَّة وربنا وضع خطَّة ، طبعاً الله خالق كل شيء ، كن فيكون ، بيده كل شيء ، فمكر الله عزَّ وجل هو الأظهر ، وهو الأقوى ، وهو الذي سينتصر ، ومكره دفاعٌ عن المؤمنين ، وعقابٌ للماكرين ، وخيرٌ للفريقين ، أو من باب المشاكلة ..
﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) ﴾ .
 
فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ
 
عاقبة مكرهم ، أي نتيجة تدبيرهم أن الله دمرهم ، لذلك بعض الأدعية تقول : " اللهمَّ اجعل تدميرَهم في تدبيرهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم .
﴿ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) ﴾ .
ألمْ يمكروا برسول الله حينما هاجر ، وفي غار ثور ، وفي الطريق إلى المدينة ، ماذا كانت النتيجة ؟ أن الله سبحانه وتعالى هو الذي دافع عنه .
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) ﴾ .
 
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
     
البيوت فارغة ، مات أصحابها ، أصبحت تَصْفِرُ الرياح منها صَفِيراً وتنعق فيها الغربان ..
﴿ فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ﴾ .
إياكم أن تعتقدوا أن البلاء عام ، والرحمة خاصَّة ، البلاء خاص ، والرحمة خاصَّة ، فلا خطأ عند الله عزَّ وجل ، ولا شيء طائش ، ولا شظيَّة طائشة ، ولا خطأ غير مقصود ،  هذا لا يمكن عند الله ، يستحيل على الله عزَّ وجل ، و لأنه إلهٌ مطلق ، وبيده كل شيء ، فكل شيءٍ وقع أراده الله ، وإرادة الله عزَّ وجل خيرٌ مطلق وحكمةٌ بالغة ..
﴿ وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53) ﴾ .
 
وموضوع التقوى بُحِثَ سابقاً ، وسوف نقف عنده مرَّةً أخرى إن شاء الله تعالى في مناسبةٍ قادمة .
والحمد لله رب العالمين
                                                                                   
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب