سورة الكهف 018 - الدرس (3): تفسير الآيات (10 – 26) ، كرامة الأولياء

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات

"> سورة الكهف 018 - الدرس (3): تفسير الآيات (10 – 26) ، كرامة الأولياء

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات

">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الكهف

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة الكهف - (الآيات: 10 - 26)

24/04/2011 17:07:00

تفسير سورة الكهف (018)
الدرس (3)
تفسير الآيات (10 – 26)
كرامة الأولياء
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة والتسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
        أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الثالث من سورة الكهف ، قـد يسأل الإنسان لـماذا كانت هذه القصة ؟ أو لماذا أورَدَها الله ؟ أو ما مغزاها ؟ هل المقصود منها حكاية ؟ حوادث ، حِوار ، أم المقصود منها أسمى من ذلك .
 
قصة أهل الكهف تسلية للصحابة وتخفيف عنهم :
 
جاءت هذه القصة في أوانها ، وفي مكانها ، فقد كان المسلمون في مكة يواجهون الأوضاع نفسها التي واجهها الفتية في أوج اضطهادهم ، والاستبداد بهم ، إنه تشابه غريب بين ما وقع في مكة في بداية الإسلام من اضطهاد للمؤمنين وقسوة عليهم ، وتنكيل بهم ، وبينَ ما وقع لهؤلاء الفتية أصحاب الكهف من تعذيب ، وتنكيل ، وتهديد ، وتخويف .
     إذاً : كأنَّ قصة أصحاب أهل الكهف جاءت لتخفف الأعباء عن المؤمنين الأوائل ، جاءت لتسليهم ، ولتزيح عنهم الحزن ، وكان الفتية يعيشون قبل أن يغادروا بلدهم إلى الكهف في فترة تشبه الفترة التي عاشها المؤمنون ، لقد عاشَ الفتية المؤمنون البيئة ، والأوضاع ، والقسوة ، والمِحَن ، والمصائب ، والمضايقات نفسها ، ولا تصوير أبلغ من تصوير القرآن الكريم .
] وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [.
( سورة الأنفال : 26 )
هكذا كان المؤمنون في بداية عهدهم ، في مكة المكرمة ، وكتب السيرة تفيض بقصص الظلم ، والقسوة ، والتعذيب ، والتنكيل ، وتحكي من أخبارِ محنة سيدنا بلال ، وعمار ، وخباب ، ومصعب  وسمية ، الشيء الكثير .
        إذاً : كأنَّ هذه القصة جاءت بلسماً شافياً لهؤلاء المؤمنين الأوائل الذين لاقوا ما لاقوا ، وتحملوا ما تحملوا ، وكان صبرهم دليلاً قاطعاً على عِظَمِ إيمانِهم .
إنه شَبهٌ تام بين الممتحنين في مكة ، وبين الممتحنين من أصحاب الكهف ، ولِذا قصَّ الله عز وجل في هذه الفترة الرهيبة التي يستولي فيها اليأس ، والتشاؤم ، وتزيغ الأبصار ، وتبلغ القلوب الحناجر ، قصة يوسف مع إخوته ، وقصة موسى مع فرعون ، وقصة فرد مع أمة  ونبيٍ مع جماعة ، وقصة أصحاب الكهف ، لأنَّ لهذه القصص أهدافاً تربويةً كبيرة جداً .
 
نُقاط التشابه بين مؤمني مكة وأصحاب الكهف :
 
هناك شيءٌ آخر في هذه القصة ، وهو نُقاط التشابه بين مؤمني مكة في بداية عهد الإسلام وأصحاب الكهف ، إذ أن هناك الإرادة القاهرة التي تنصر المؤمن على الكافر ، والبر على الفاجر ، والمظلوم على الظالم ، والضعيف على القوي ، والفقير على الغني ، بِطُرق تحار منها العقول وتشده بها العقول ، ويؤمن بها الكافر ، ويوقن بها المُتشكك ، أي أنَّ هناك قوة قاهرة ، تنصر الضعيف ، المقهور ، الذليل ، المظلوم ، الفقير ، على خصمه القوي ، العتيد ، الشديد ، هذا وجه التشابه بين قصة أصحاب الكهف ، وهؤلاء المؤمنين الأوائل .
     وما أشبه المسلمين في مكة بالفتية المؤمنين الذين لجؤوا إلى الكهف فِراراً بدينهم من الفتن ، فبقوا فيه إلى أن قلب الله الليل نهاراً ، وانقرضت الدولة الكافرة المضطهدة لأهل الإيمان والعقيدة ، حينما أفاق أهل الكهف رأوا حياة أخرى ، ومجتمعاً آخر ، وعلاقات أخرى ، وكأنَّ الذي خافوا منه قد زال عنهم زوالاً نهائياً ، لذلك يقول الله سبحانه وتعالى :
 
 
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً﴾
 
إيثار الحق واعتزال الشرك :
 
 
كان مجتمعهم مجتمعاً منحرفاً يسود فيه الفجور والخلاعة ، والانهيار في القيم ، والانحطاط ، الفاجر هو القوي ، والمستقيم هو الضعيف ، الفاسق هو الغني ، والمُلتزم هو الفقير ، مجتمع فيه ظلم ، وانحراف ، وقسوة ، وميوعة ، وانحلال ، فيه ما في كل المجتمعات المتفسِّخَة ، هذه هي البيئة التي عاش فيها هؤلاء الفتية أصحاب الكهف ، ويبدو أنَّ هؤلاء الفتية كانوا من بيوت عظيمة ، ومن علية القوم ، يعيشون ، ويأكلون ما لذَّ وطاب .
ولكن حينما بلغتهم دعوة السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، وقعوا في صِراع داخلي ، بين الحق والباطل ، بين الخير والشر ، بين أن يقفوا مع عقولهم ، وبين أن يقفوا مع شهواتهم ، بين المبدأ والمصلحة ، وبين القيم والحاجات ، نشأ هذا الصراع العنيف في نفوسهم أولاً ، ثم انعكس على مواقفهم ، وعقيدتهم ، وتصرفاتهم ، لذلك شعروا أنهم غرباء عن هذا المجتمع ، ماذا يفعلون ؟ إما أن يعتقدوا عقيدة صحيحة مع الموت ، وإما أن يحيوا مع الفساد في العقيدة ، إنه خيار صعب ، ولا مكان لموقف ثالث ، إما أن يسايروا ، ويواكبوا ، ويوافقوا هذا التيار المنحرف ؛ تيار الفسق ، والفجور ، والمجون ، والعقيدة الوثنية في عهد الرومان قبل انتشار دعوة السيد المسيح ، وإما أن يقفوا مع الحق الذي آمنوا به ، وعرفوه ، ويدفعوا ثمنه باهظاً جداً ، والأمر لا يحتمل حالة ثالثة ، فإما أن يكونوا مع الحق ، ولا حياة مع الحق ، وإما أن يكونوا مع الباطل حيث البحبوحة والحياة الرغيدة ، هذا تمهيد للحالة النفسية ، وللبيئة التي عاش فيها أصحاب الكهف قبل أن يأووا إلى كهفهم .
 
﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ﴾
        حينما يلتجئ الإنسان إلى الله عز وجل ، ويلوذ به ، ويحتمي بِحِماه ، ويستظل بظله ، حيث لا ظل إلا ظله ، وحينما يخلص له ، ويستقيم على أمره ، ويحبه ، ويحتمي به ، فقد مَلَكَ كُلَّ شيء .
ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فُتُّكَ فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
 
 
﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً﴾
 
الرحمة والسكينة من صفات المؤمنين المخلصين :
 
 
لا يعرف مضمون هذه الكلمات ، ولا الشعور بها إلا من ذاقها ، وإذا تجلى الله عز وجل على قلب المؤمن شعر أنه مَلَكَ كُلَّ شيء ، ولذلك قال أحد العارفين بالله ؛ وهو أبو يزيد البسطامي : " والله لو يعلم الملوك ما نحن عليه لقاتلونا عليه بالسيوف ". "
 
﴿ وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً ﴾
     يا رب تولَّ أمرنا ، وفقنا لما تحب وترضى ، ونجِنا من القوم الظالمين ، وهيئ لنا خلاصاً من هؤلاء ، وهيئ لنا حالة نرتاح بها من هؤلاء الذين يُكرهوننا على أن نكون معهم على الوثنية، والانحراف ، والسقوط .
 
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ﴾
 
نوم أهل الكهف :
 
تغمض العين  في أثناء النوم ، ولكن الأذن تبقى مفتوحة حيث إنها مكان التنبّه الوحيد للصوت ، إذاً : الاستيقاظ يكون عن طريق الأذن .
 
 
﴿ فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً ¯ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً﴾
 
من كرامات أهل الكهف : لبثهم ثلاثمئة سنين :
 
بعثناهم من هذا النوم الطويل ، وكما نعلم أنَّ أصحاب الكهف ليسوا أنبياء ، وما جرى معهم هو خرق للعادات ، وهو أن ينام الإنسان ثلاثمئة سنة ، وهو بكامل هيئته ، وصحته ، وقوامه ، من دون أن يتلف جسمه ، أو يفنى جسده ، وخرق العادة هذا إن كان لنبي فهو معجزة ، وإن كان لولي فهو كرامة ، وهذا دليل قطعي على وجود الكرامة ، وقد ذكرَ الله ذلك في حديثهِ عن أصحاب الكهف فقال :
 
 
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
 
مغزى الآية : إيمانٌ من العبد وزيادة هدى من الله :
 
 
عليك أن تبادر ، وعلى الله الباقي .
 ]وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [.
( سورة العنكبوت)
عليك أن تخطو الخطوة الأولى ، وأن تختار الهدى ، وأن تفكر ، وتتخذ قراراً في طلب الحق ، وعلى الله الباقي .
ابن آدم اطلبني تجدني ، إذا تقربت إليّ شبراً تقربت إليك ذراعاً ، وإذا أتيتني مشياً أتيتك هرولةً .
إذا رجع العبد العاصي إلى الله عز وجل نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله .
 
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾
        هُنا مغزى دقيق جداً ، أي أنك أيضاً أيها المؤمن إذا اتخذت قراراً صحيحاً في طلب الحق فعلى الله الباقي ، فهو يجمعك مع أهل الحق ، ويشرح لك صدرك لطلب الحق ، وهو يوفقك في الدنيا ، ويفرغك للحق ، ويتحقق كُل ما تطمح له إذا خطوت الخطوة الأولى ، ويتولى الله سبحانه وتعالى ما تبقى من خطوات .
 
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾
        قد ينهار الإنسان نفسياً ، فتخور قِواه الجسمية نتيجة لذلك ، لكنَّ الله يربط على قلب المؤمن ، ويعطيه العزم ، والسكينة ، والوقار ، والصلابة ، وقوة التحمل فيُصبح كجبل راسخ ، بينما أفئدة الكفار :
] هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا [.
( سورة الأحزاب : 11 )
يُلقي الله في قلب المؤمن السكينة .
 
﴿ وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً﴾
 
ملخّص الأديان : لَن نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً :
 
هذا هو التوحيد ، وهذا هو الدين ، وهذه هي العقيدة الصحيحة ، وهذا ملخص الأديان كلها .
 
﴿ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً ﴾
لو أننا دعونا من دونه إلهاً ، لقد خرجنا عن الحق ، والاعتدال ، وخرجنا عن دائرة القبول .
 
 
﴿ هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً ¯وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ﴾
 
وجوب اعتزال أهل الشرك والفجور :
 
يجب أن تكون العزلة تامة عن أهل المعصية والفجور ، فإذا كنت في مجتمع فاسد ، ورأيت شُحاً مُطاعاً ، وهوىً متّبعاً ، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه فالزم بيتك ، وأمسك لِسانك ، وخُذ ما تعرف ، ودع ما تنكر ، وعليك بخاصة نفسك ، ودع عنك أمر العامة .
 
﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ﴾
أي اعتزلتم عاداتهم ، وتقاليدهم ، وقيمهم ، وأنماط معيشتهم ، ومقاصفهم ، و متنزهاتهم ، وأنديتهم ، وأمكنة احتفالاتهم ، وأنماطهم ، إلا إذا عبدوا الله عز وجل فعندئذ لا ينبغي أن تعتزلوهم .
 
﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً ﴾       
المرفق ؛ الشيء الرفيق المريح .
 
﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ﴾
 
طبيعة الكهف الذي لجأ الفتية إليه :
 
أي دلّهُم الله عز وجل على كهف يقع - كما قال المفسرون - في الجهة الشمالية ، تأتيه الشمس صباحاً مجانبة ، فيدخل نورها فقط بدون أشعتها ، وتغيب كذلك عنهم مساءً .
      إذاً كانَ الكهفَ مفتوحاً على الجهة الشمالية ، حيث يأخذ من الشمس نورها  وضياءها ، ويتقي منها أشعتها المؤذية ، والكهف واسع ، وفيه تهوية جيدة .
 
﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ﴾
 
لا تدخل الشمس إذا طلعت إلى كهفهم فتزعجهم .
 
  ﴿ وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ﴾
     
يعني تقطعهم ، وهم في فجوةٍ من الكهف .
 
 
﴿ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾
 
مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ المُهْتدِي
 
إذا أنس الله عز وجل من عبد طلباً للهداية فإنه يهديه ، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدِكُم .
 
﴿ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ﴾
المهتدي الوحيد هو الذي عَرَفَ الله ، وليس بعده إلا الضلال المبين ، فإمّا أن تكون على الحق ، أو أن تكون على الباطل ، ولا يوجد حالة ثالثة ، لأنَّ الحق واحد ، لا يتعدد ،
 
﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾
 
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً
 
أي إذا استغنى الإنسان عن الله عز وجل ، باختياره فأدار ظهره للدين ، والتفت إلى الدنيا ، فهل في الأرض كلها جهة تهديه ؟ لا والله ، ومن يضلل نفسه -  بعض المفسرين قالوا ومن يضلل نفسه عن الله عز وجل  .
 
﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾
إذا صَرَفَ الإنسان نفسه باختياره عن الهدى الإلهي ، وصَرَفَ نفسه عن الحق .
 
﴿ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً ﴾
 
لن تجد أحداً يهديه .
 
 
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾
 
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ
 
 
        قال بعض العلماء : " إن أجفانهم بقيت مفتوحة ".
 
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ﴾
نائمون .
 
﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
 
من الإعجاز العلمي : وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ
 
            من الإعجاز العلمي لهذا الكتاب هذه الآية يقول العلماء : " إذا استلقى الإنسان على فراشه ، فإنَّ وزن جسمه يضغط على الهيكل العظمي ، والهيكل العظمي يضغط على العضلات ضغطاً  ثانياً " ، فيُسبب هذا الانضغاط انضغاطاً على الشرايين والأوردة التي في هذه المنطقة ، وهذا الانضغاط يسبب ضعفاً في تروية العضلات ، لذلك " تخضر " هذه العضلات كما تقول العامة ، مما يجعل الإنسان يُغيّر استلقاءه ، فلوا راقبنا إنساناً نائماً لوجدناه يُغيّر استلقاءه ثماني وثلاثين مرة في الليلة الواحدة ، أما الشيء العجب العجيب ، كيف يغير الإنسان وضعه وهو نائم ؟
قال العلماء : " في الإنسان أماكن مراكز عصبية تتحسس بالضغط ، فإذا تمَّ انضغاط بعض العضلات ، وتحسست هذه المراكز العصبية تعطي إشارة إلى الدماغ ، والإنسان نائم ، أنَّ هناك ضغطاً في الجهة الفلانية ، فيُعطي الدماغ أمراً إلى العضلات لتغير وضع النوم مما يجعل الإنسان يتقلب بالليلة الواحد من ثماني وثلاثين إلى أربعين مرة ، هذا في الأحوال العادية ".
" أما لو تصورنا إنساناً مصاباً بمرض اسمه السُبات ، وهو غياب كُليّ عن الوعي ، أو إنساناً مصاباً بشلل كامل فهو لا يستطيع مثلاً أن يُحرِّك نفسه ، إنَّ أول علاج لهذه الحالة ، هو التقليب ، لأنَّ الإنسان إذا  بقي على وضع واحد فوق ثماني ساعات يبدأ اللحم بالتمزق ، إذ تضعف تروية الدم للنسيج العضلي ، وعندها يتفسّخ اللحم ، يُقال لكَ " اهترأ لحمه " ، ولو نسي أهل المريض المُصاب بِسُبات أو شلل أن يقلّبوه فإنَّ قِطَع اللحم تنزع من أطرافه نزعاً ، سمّى العلماء هذا المرض قرحة السرير ".
العلاج الوحيد لِكُل إنسان مصاب بالشلل ، أو بالسُبات قبل كل علاج هوَ التقليب فهؤلاء أصحاب الكهف لو ناموا على حالة واحدة ، واستمر نومهم ثلاثمئة عام لا يبقى منهم بعد خمسين عاماً بالتأكيد شيء ، تتفسخ لحومهم ، ويأكلها الدود ، وهم أحياء ، فكانت هذه الآية من آيات الإعجاز العلمي .
 
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾
فلولا هذا التقليب لما بقوا على ما هم عليه ثلاثمئة عام ، فالإنسان يتلقب في الفِراش ثماني وثلاثين مرة في الليلة الواحدة ، في الساعات الثماني التي ينامها ، بفعل المجموعة المعقدة جداً من الأجهزة ، حيث إنَّ هناكَ مراكز عصبية منتشرة في كل أنحاء الجسم تتحسس بالانضغاط ، وهذه المراكز تُعطي معلومات عصبية إلى الدماغ بأنَّ هناك في المكان الفلاني انضغاطاً ، والدماغ يُرسل أوامره إلى العضلات لتغير وضع الاستلقاء من أجل أن يبقى الإنسان سليماً معافى ، أمّا في حالة الشلل والسُبات فلا بد من تقليب المريض ، من يُقلّب هؤلاء الذين أنامهم الله هذه السنوات الطويلة ؟ إنه الله سبحانه وتعالى .
 
﴿  وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ ﴾
 
ذِكْرُ الله للكلب تشريفا لأصحابه :
معهم كلب وَفِيُّ
 
﴿ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِِ﴾
 
معنى الوصيد :
 
الوصيد أي فناء الدار ، أما الوصيد في الكهف ، فهو الفسحة من الكهف .
 
﴿ وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً ﴾
 
معنى : لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً
 
قال بعض العلماء : " إنَّ حالة الإنسان النفسية قد تنتقل للآخرين ، فهؤلاء حينما أووا إلى الكهف كانوا في حالة رعب ، وفزع شديدين ، فكل من اطلّعَ عليهم امتلأ قلبه رعباً منهم وولى منهم فِراراً ".
 
الحكمة من تقديم الفرار على الرعب :
 
            هناك حِكمة بالغة من تقديم الفرار على الرعب ، فقال بعضهم : هذا من قبيل تقديم المسبب على السبب ، أي حين اطلعت عليهم امتلأت منهم رعباً ، فلا تملك إلا أن تولي فراراً منهم .
 
 
﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾
حينما أووا إلى الكهف كان الضغط الاجتماعي ، والقهر ، والاضطهاد ، والتعذيب ، والتقتيل لكل من يؤمن بالسيد المسيح ، لأن الديانة وقتها كانت ديانة وثنية ، تؤمن بالأصنام، وبإله الجمال ( فينوس ) ، وإله المطر ، وإله الحرب ، وإله الرياح ، هذه الآلهة التي اتخذتها بعض الأقوام الرومانية كان هذا دين الملك الذي يحكم وقتها هؤلاء الفتية .
 
﴿ وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾
 
كَمْ لَبِثْتُمْ
 
 
توقعوا أنهم ناموا ، ثمَّ استيقظوا ، نوماً طويلاً ، ينام الإنسان في بعض الأيام من الساعة السادسة مساءً إلى الساعة السادسة صباحاً ، فيقول : نمت اثنتي عشرة ساعة .
شعروا أنهم ناموا نوماً طويلاً ، لكنه لا يزيد على يوم أو بعض يوم .
 
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ﴾
أي كادوا أن يختلفوا ، والموضوع ليس بذي بال .
 
﴿ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾
 
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى المَدِينَةِ
 
            كان معهم بعض المال ، فبعثوا أحدهم بهذا الورق ، قبل أن نتابع الموضوع هناك إشارة أن الله عز وجل حينما قال :
 
﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَباً ﴾
الرقيم هو الحجر الذي دُوِّنَتْ عليه أسماؤُهم ، أو اسم الوادي ، أو اسم الجبل الذي كانوا فيه ، أو اسم كلبهم ، وجاء في بعض التفاسير ، وأظنه تفسير الرازي إلى أن الرقيم نسخ من الكتاب المقدس من التوراة ، والإنجيل ، أي حينما أوى هؤلاء المؤمنون إلى الكهف أخذوا معهم كتاب ربهم ليقرؤوه ، هذه إشارة أيضاً إلى أن المصحف يجب أن يكون رفيقا للمؤمن .
 
﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾
في بعض التفاسير أنهم حينما ذهبوا إلى الكهف ، اجتمعوا ، ويدُ الله مع الجماعة ، وتوجهوا نحو الكهف ، وأخذوا معهم طعاماً وشراباً ، وكتابهم المقدس ، الذي هو زاد المؤمن ، بقوا يأكلون ، ويشربون في الكهف حتى نفد طعامهم وشرابهم .
    بعثوا الآن ، وهم جائعون .
 
﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً ﴾
وجوب طلب وتحرّي الحلال :
 
 
المؤمن كالنحلة ، لا يأكل إلا طيباً ، ولا يُطعم إلا طيباً .
 
﴿ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ﴾
      استنبطَ العلماء من هذه الآية أنه ليسَ للإنسان حق أن يشتري كُلَّ الرِزق ، وليس للإنسان حق أن يقف أمام البائع ، في بعض الأحيان يقف شخصان أو ثلاثة ، وعِندَ البائع شيء من الفاكهة ، يأتي إنسان ، ويطلب من البائع أن يزِن لَهُ كُلَّ الفاكهة ، وهذا خِلافُ الأدب ، فهناكَ أشخاص يقفون معك .
 
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ ﴾
يأخذ حاجته فقط ، ولا يأخذ كل الرزق ، كلمة من للتبعيض ، هذا تعليم وأدب قرآني ، فإذا كان لك أخ واقف معك عِندَ بائع ، وعنده كمية محدودة فلا تأخذها كلها ، بل خُذ حاجتك مِنَها ، ودع لأخيك الباقي .
 
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾
رَحِمَ الله عبداً سهلاً إذا باع ، سهلاً إذا اشترى ، سهلاً إذا قضى ، سهلاً إذا اقتضى .
 
     ﴿ فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾
طلبوا ممن أرسلوه لشراء الطعام أن يكون لطيفاً ، وأن يتخفى ، وألاّ يُعلن عن شخصيته ، وليأتِ بهذا الطعام خِلسةً ، دون أن يُعرف ، ودون أن يَعرف الناس أين مقرهم ، لأنهم مضطهدون ، مستضعفون ، ملاحقون ومعذبون .
 
﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾
 
التلطف في البيع والشراء : وَلْيَتَلَطَّفْ
 
     هنا قضية بلاغية .
 
 
﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ ﴾
 
الفاء تفيد الترتيب على التعقيب :
 
﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ﴾
 
﴿ فَلْيَنْظُرْ﴾
 
فليأتِ ، شي جميل ، انطلق ، فنظر ، فأتى بالطعام ، أعمال مرتبة وفق برنامج زمني ، أما آخر الآية :
 
﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾
لماذا لم يقل الله عز وجل : ابْعَثُوا أَحَدَكُمْ ،  فَلْيَنظُرْ ،  فَلْيَأْتِكُمْ ، فَلْيَتَلَطَّفْ ، لا ، فإنه يجب أن يكون لطيفاً في كل هذه المراحل .
 
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ ﴾
 
﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾
 
هي واو لِمُطلق الجمع ، أي يجب أن يتلطف حينما يذهب ، وينظر إلى الطعام ، وحينما يشتري ، ويأخذ الطعام ينبغي أن يتلطف أيضاً .
 
ملاحظة :
وردَ القول : لماذا لم يقُل الله : فلينظر فليأتكم فليتلطف ، ولو وضعنا واواً لَبَطَلَ الكلام والسؤال ، لأنَّ الله قال :
 
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ ﴾
 
      المراحل الأولى مراحل متتابعة ، أما التلطف فيجب أن يشمل كل المراحل ، إذاً جاءت واو العطف :
 
 
﴿ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ ﴾
 
 
﴿ فَلْيَنْظُرْ ﴾
 
﴿ فَلْيَأْتِكُمْ ﴾
 
 
﴿ وَلْيَتَلَطَّفْ ﴾
 
في كل هذه المراحل .
 
﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً ﴾
  
﴿ إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ﴾
أي يقتلوكم .
 
 
﴿ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ﴾
الوثنية .
   
﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ﴾
 
الاحتياط واجب لاجتناب الوقوع في الفتن :
 
 
لو عدتم إلى ملتهم ، لَعِشتُم في بحبوحة ، ونعيم ، ووجاهة ، ولكن على حساب عقيدتكم ، ومبادئكم ، ودينكم .
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ
قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾
 
معنى : وَكَذِلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ
 
            ذهب رسولهم الذي أرسلوه لِشراء الطعام ، ولكنه حينما أبرزَ العملة التي معه ؛ وهي عملة يعود تاريخها لِما قبل ثلاثمئة سنة قوبِلَ باستغرابٍ شديد ، وقالوا له : ما هذه ؟ ومن أنت ؟  كمن ذهبَ إلى سوق ، وأخرجَ عملةً قديمةً جداً ، وطلب من البائع أن يبيعه خضاراً وفواكه ، سيستغرّب البائع ، وسيسألهُ : من أنت ؟ من أي زمان أنت ؟ لكنه شعر أن الناس طيبون ، لا كالذين تركهم ، هُم طيبون ، لأنَّ الدين قائم ، شعر أن هناك تبدلاً تاريخياً ، في هذه العودة ، هم عرفوه ، وتتبعوه ، ووصلوا كما تذكر بعض القصص إلى باب الكهف ، وبعد أن دخل قبلهم الكهف ماتوا ، أي أصحاب الكهف جميعاً .
 
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ ﴾
عثر فعل لازم ، أما أعثر فمتعدٍ ، دلَّ الله عز وجل عليهم لِحِكمةٍ بالغة ، لتكونَ هذهِ آية أن أيها الناس هؤلاء الذين أخلصوا لي ، وأحبوني ، وخافوني ، واستقاموا على أمري ، فأنا أحفظهم ، وأحميهم ، وأنصرهم على عدوهم ، وأتجلّى على قلوبهم .
 
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾
والله الذي لا إله إلا هو لزوال الدنيا أهون على الله من أن يخلف وعده معك .
]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [ .
(سورة النور : 55 )
] إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [.
( سورة الحج : 38 )
] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [.
( سورة النحل : 97 )
 
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا ﴾
 
ولأصحاب الكهف قصة مشهورة في التاريخ ، فحينما لاحقهم الملك الطاغية ، وعرض عليهم الإيمان بديانته الوثنية ، أمهلهم يومين ، لكنهم اختفوا ، أين هم ، وكيف اختفوا ؟ لا تزال قصتهم تسير مع الزمن ، فلما رأى هؤلاء الناس المسيحيون الذين كانوا يشكون في الآخرة أنَّ الله قد حَفِظَ أصحاب الكهف كل هذه الفترة ، ثُمَّ أحياهم ، كان هذا دليلاً على الإيمان باليوم الآخر .
 
﴿ وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ
قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً﴾
 
اقتراح غلق الكهف : ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً
 
 
ارتأى فريقٌ أن يغلق هذا الكهف نهائياً ، بالإسمنت مثلاً ، والحجارة ، ربهم أعلم بهم ، رأى فريقٌ آخر أن يبنى عليهم مكان للعبادة للتبرك بهم .
 
    
﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾
 
الحكمة من إبهام العدد الحقيقي للفتية ومكانهم :
 
 
هناك سؤال الآن ؟ لماذا لِمَ لم يَقُلْ الله لنا : إنَّ عددهم سبعة ، وانتهى الأمر ، لِئلا نبقى في هذه المتاهة ؟ ربنا عز وجل يعرف السر وأخفى ، يعلمهم بالضبط ، ولكنه لم يشأ في هذه القصة أن يعطينا العدد الحقيقي ، وترك هذا الأمر خلافياً ، إذاً ما الحكمة ؟ قال بعضهم : في القصة مغزى ، وفي القصة جزئيات لا تخدم المغزى ، فأنت إذا ذهبت تبحث عن جزئياتها ، وعن تفصيلاتها ، وعن عدد أهل الكهف ، وعن كلبهم ، وبعد ذلك يا ترى هل أقاموا عليهم مسجداً ، أم أغلقوا هذا الكهف ، تركَ ربنا عز وجل بعض الأشياء مفتوحة ، غير مغلقة ، ولم يُعطِ فيها حُكماً جازماً ، ليُعلِمَنا أن القصة لها مغزى ، فإن لم تعرف المغزى ، وانهمكت في التفصيلات فقد ابتعدت عن مغزاها ، ما قيمة عددهم بالنسبة لمغزى هذه القصة ؟ لو كانوا ثلاثة ، أو أربعة ، أو خمسة ، أو ستة ، أو سبعة ، أو ثمانية ، المغزى أن هؤلاء الفتية آمنوا بربهم ، فزادهم الله هدى ، المغزى أن الله عز وجل هو القوة القاهرة التي تقهر كل شيء ، فإذا كنت معه فلا أحد ينالك بالأذى ، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كانَ عليك فمن معك ؟
المغزى أن تبتعد عن التفصيلات ، وعن  الجزئيات ، وعن العدد ، والمكان ، بأي مكان ؟ في تركيا ؟ أم في اليونان ؟ أم في مدينة اسمُها ( طرسوس ) كما جاء في بعض التفاسير ، أم في الشام عند الكهف هنا ، لم يذكر ربنا عز وجل المكان ، ولا ذكر الزمان ، ولا بَتَّ في العدد ، ولا أعطى شيئاً قاطعاً في موضوع الكهف ، تركَ هذه الجزئيات كلها مفتوحة ، لأنَّ الإلحاح على المغزى .
 
﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً﴾
 
أي لا جدوى من هذه التفصيلات ، والجزئيات ، وما سكت الله عنه يجب أن تسكت عنه ، وابحث عن المغزى الذي أراده الله من هذه القصة ، هذا هو الاتجاه الصحيح ، أما الاتجاه إلى التدقيق في التفصيلات ، والوقوف عندها  والغوص فيها ، والغفلة عن المغزى الكبير الذي أراده الله من هذه القصة هو اتجاه خاطئ .
 
 
﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ﴾
 
كُلُّ شيء بمشيئة الله :
 
من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت ، قل : إن شاء الله ، استثنِ ، إذا استثنيت فقلت : إن شاء الله فإنَّ كلامك صحيح ، أمّا إذا قلت : إني سأفعل ذلك غداً فأنت لا تعرف ما حياة الإنسان ، فهو يصبح في ثانية واحدة من أهل القبور .
 
 
﴿ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ﴾
لكن (إن شاء الله) لها معنى عامي ، يعني إذا لم يكُن الإنسان جاداً في الدفع يقول : إن شاء الله أُعطيك ، وإذا كان غير جاد في الحضور يقول : إن شاء الله سآتي إليك ، فإن شاء الله أُسيءَ استخدامُها ، حتى إنها صارت تعني الإخلاف في الموعد ، وعدم الدفع ، والكذب ، لا ، ليست (إن شاء الله) بهذا المعنى ، إذا كنت جازماً كل الجزم ، وعاقداً كل العزم على أن تدفع تقول : إن شاء الله .
دُعِيَّ أشخاص إلى وليمة فلم يحضروها ، وافتهم المنية قبل أن يحضروها ، وعَقَدَ إنسان العقد على امرأة فوافته المنية قبل الدخول بها ، وجاء إنسان بشهادة فوافته المنية قبل إبراز المصدقة للجهات المعنية ، فالإنسان لا يدري متى يموت .
        
 
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ﴾
 
وَاذْكُرْ رّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ
 
قال : يا رب كيف أشكرك ؟ قال تذكرني ، ولا تنساني ، إنك إن ذكرتني شكرتني ، وإذا ما نسيتني كفرتني .
 
﴿ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ﴾
 
الأمرُ بطلب الكمال وعدم الرضا بالحال :
 
لا ترضَ بحالك ، اسعَ إلى ترقية حالك ، اسعَ أن يكون غدك أفضل من يومك ، ويومك أفضل من أمسك ، المغبون من تساوى يوماه ، من لم يكن في زيادة فهو في نقصان .
 
 
﴿ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ¯وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾
أيضاً يوجد سؤال ؟ لمَ لمْ يقل الله عز وجل : ولبثوا في كهفهم ثلاثمئة وتسع سنوات ؟ لا .
 
﴿ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾
 
من الإعجاز العلمي ( العددي ) : وَازْدَادُوا تِسْعاً
 
 
      قال العلماء : " وهذا أيضاً من الإعجاز العلمي في كتاب الله ، ثلاثمئة عام ميلادي تساوي بالضبط ثلاثمئة وتسع سنوات هجرية " ، فربنا عزَّ وجل أعطى المدة على التقويمين ، الشمسي ، والقمري .
 
﴿ وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ ﴾
 
هذا بالسنة بالشمسية .
 
﴿ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾
 
والسنة الشمسية هي مدة دورة الأرض حول الشمس في اثني عشر برجاً ، فالسنة الشمسية حقيقة ، والشهر الشمسي حكمي .
أما بالهجري فبالعكس ، الشهر القمري هو شهر حقيقي ، والسنة القمرية حكميه أي أنَّ السنة القمرية شهر ضرب 12 ، أما السنة الشمسية سنة تقسيم 12 . 
 
﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ ﴾
 
على السنوات الميلادية .
 
﴿ وَازْدَادُوا تِسْعاً﴾
 
ذلك على التقويم القمري ، وليسَ الهجري ، إذّ لم يَكُن وقتها تقويم هجري .
 
 
﴿ قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾
هذا هو التوحيد .
 ]اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [.
( سورة البقرة : 255 )
والحمد لله رب العالمين
 
 
 
 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب