الحق راسخ قوي وإن كان خفياً، وأن الباطل هش لا قيمة له، وإن كان على السطح وانتفش
"لا تكن امعه ان احسن الناس احسنت وان اساء الناس اسأت "
" المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِيَ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُون"
سورة الرعد (مدنية)، نزلت بعد سورة محمد، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة يوسف، وعدد آياتها 43 آية.
سورة الرعد من أروع سور القرآن، ورسالتها تقول: الحق قوي راسخ، وان لم يظهر أمام الأعين، والباطل مهزوم ضعيف، فهو - وان كان ظاهراً متفشياً - لكنه هش لا قيمة له,هذه الحقيقة البسيطة يغفل عنها الكثير من الناس، فينخدعون ببريق الباطل الزائف.
هذا الباطل قد يأخذ أشكالاً متعددة، من مشاهد إباحية متفشية، أو معاص منتشرة، إلى موظف أو تاجر يكذب ويخدع في عمله، إلى أمة ظالمة تعتدي على أمة الإسلام وتأخذ حقوقها، كلها أشكال مختلفة لقوة الباطل الهشة.
هذه الحقائق إذا غابت عن أعين الناس، وانخدعوا بالباطل، يخافون منه، فيستخفون بالحق الذي معهم، أو يحاولون أن يقلدوا هذا الباطل. فنرى كثيراً من الناس يقولون أن فلاناً ناجح في تجارته عن طريق السرقة والغش والخداع في عمله، وبما أن الكل يفعل هذا فلا ضرر من تقليدهم.
لهذه النوعية من الأشخاص، تأتي السورة لتقول: أن قوة الباطل مهما ظهرت وانتفشت، فهي هشة، ليس لها أي جذور في الأرض. ومهما توارى الحق أو اختفى من أعين الناس، فهو راسخ متين في الأرض.
ومن أول آية تبدأ السورة بالتأكيد على أن الله تبارك وتعالى هو الحق، وأن كتابه المنزل من عنده هو الحق:
(المر تِلْكَ ايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَٱلَّذِى أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ).
وبعد أن ذكرت أول آية كتاب الله تعالى، تنتقل الآيات 2 و3 إلى ذكر قدرة الله عز وجل في الكون، وكأنها تقول للناس جميعاً: إن كنتم تكذبون بالكتاب المقروء (القرآن)، فتعالوا ننظر إلى كتاب الله تعالى المنظور (والذي هو عبارة عن الكون كله) :
(ٱلله ٱلَّذِى رَفَعَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِى لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاء رَبّكُمْ تُوقِنُونَ) (2).
(وَهُوَ ٱلَّذِى مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَـٰراً وَمِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ) (3).
فلله تعالى كتابان في الكون، كلاهما يدل عليه وكلاهما يقوي الآخر ويدل عليه:
فالكتاب المقروء (القرآن) يطالب المسلم بالنظر في الكتاب المنظور (الكون)، من خلال آيات كثيرة كهذه الآيات.
وبالمقابل، فإن الكتاب المنظور يزيدك إيماناً بالقرآن.
فمن هو المدبّر؟ ومن هو القادر؟ من الذي يملك الكون؟ أتتبعونه أم تتبعون الباطل؟
ولذلك تتابع السورة حديثها عن كتاب الله المنظور (الكون) وكيف يدل على عظمة الخالق جل وعلا:
(وَفِى ٱلأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَـٰوِرٰتٌ وَجَنَّـٰتٌ مّنْ أَعْنَـٰبٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوٰنٌ وَغَيْرُ صِنْوٰنٍ يُسْقَىٰ بِمَاء وٰحِدٍ وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِى ٱلأُكُلِ إِنَّ فِى ذٰلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(4).
ومن روعة السورة أنها تهبط بك في ملك الله تعالى درجة درجة، لتتأمل الكون وآياته من أعلى إلى أسفل.
فلو تأملنا في الآيات من 2 إلى 4، لوجدنا أن الآيات بدأت بالسموات، ثم انتقلت إلى الشمس والقمر، فالأرض والجبال والأنهار، إلى تقسيم الأراضي الزراعية (قطع متجاورات) وتنوع ثمارها. كأنك تنزل بالطائرة من فوق لتحت، وكتاب الله معك كدليل يدلك على هذه الآيات ويقول لك: أنظر إلى ملك الله تعالى من فوق إلى تحت، من رفع السماوات بلا عمد حتى تقسيم الأراضي، وكيف أن الماء الذي يسقي كل أنواع الزروع هو ماء واحد يأتي من عند الله.ومن الملاحظ فى اول الحديث يوجه الله عز وجل انظارنا الى السماء الى العلويه الالهيه الى ذاته العليا ...
وبعد كل هذه الآيات والدلائل، يأتي التعقيب من الله تعالى: (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَءنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ..) (5).
فهل تستغربون، بعدما رأيتم كل هذا الملك في الكون، كيف أن الله تعالى قادر على أن يحيي الناس بعد موتهم؟
كيف يمكن لأي صاحب عقل سليم أن يشّك في قدرة الله تعالى؟ لذلك تنتقل الآيات التي بعدها إلى التركيز على نوع آخر من قدرته تعالى، وهي القدرة على جمع المتناقضات في الكون.
تبدأ السورة باستعراض المتناقضات في هذا الكون العجيب، 32 ظاهرة متناقضة في طبيعتها، يستحيل على أحد أن يجمع بينها، إلا الله جل وعلا. أنظر إلى أسرار عظمته من خلال هذه المتناقضات(تَغِيضُ ٱلأَرْحَامُ... تَزْدَادُ) (8).
(أَسَرَّ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ) (10).
(خَوْفًا وَطَمَعًا) (12) - (طَوْعًا وَكَرْهًا) (15) - (نَفْعًا وَلاَ ضَرّا... ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ... ٱلظُّلُمَـٰتُ وَٱلنُّورُ) (16).
(ٱلْحَقَّ وَٱلْبَـٰطِلَ)(17) - (يَبْسُطُ... وَيَقْدِرُ... ٱلدُّنْيَا... ٱلأَخِرَةِ) (26) (يَمْحُو... وَيُثْبِتُ)(39).
وكأن هذه الآيات الرائعة تقول لنا: كيف لا تسلمون لله، وهو الحق الكامل الذي يملك الكون بكل متناقضاته ويجمع بينها، لتؤكد على المحور الأصلي للسورة، وهو أن الحق قوي راسخ، وأن الباطل ضعيف إلى زوال.
وتمر الآيات، إلى أن تصل بنا إلى ثلاثة أمثلة تخدم هدف السورة بشكل رائع ومعجز:
وأولها كان هو المفتاح لفهم السورة واستنتاج المحور الذي ذكرناه في أول السورة. اقرأ معي الآية 14:
(لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ) يا شباب، امشوا في طريق الله. لأن الحق الكامل هو طريق الله (لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقّ). فماذا عن الباطل؟ ما هو شكله؟ (وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْء إِلاَّ كَبَـٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ).
والله الذي لا إله إلا هو، لن تجد تصويراً للحق والباطل أكثر جمالاً من هذا التصوير الفني القرآني.
فالناس التي تجري وراء الباطل يصورّها لنا ربنا تبارك وتعالى بشخص ينظر في المياه ويحاول أن يلتقطه بفمه، وما هو ببالغه. وبالتالي فإن كل من يمشي وراء الباطل سيظل قلبه يجري وراء السعادة، هذه السعادة الواهمة التي يعتقد أنها كأس خمر يشربها، أو أغنية ماجنة يجري وراءها ويرددها، أو في مال حرام يأخذه... لكنه لن يبلغ السعادة تماماً كالرجل الذي يحاول أن يلتقط فمه من انعكاس صورته في الماء (وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ) (14).
يا شباب لا تنخدعوا بالباطل، ولو كان براقا وزاهيا، ولو أخذ شكل حفلات يجتمع بها الشباب والبنات، ليسودها الرقص والمجون، ولو أعطاه البعض اسم الشجاعة والتقدم وكسر التقاليد... الباطل زاهق لا محالة، والحق هو الأصل.لا تنخدعوا بالمظاهر الاجتماعيه المنتشره والباطله بينكم لا تغركم شهره هذا ولا منصب هذا فانه كما ذكرنا فى مقصد سوره يوسف انك وان كنت ضعيفا لا حول لك ولا قوه وحولك وقوتك هى بالله هى بالتزام قربه ورجاء رضوانه فانه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين ...فسوره الرعد تثبتك نفسيا امام الامور الى من ظاهره كبيره عاليه وهي جوفاء فاثبت على الحق الذى كنت عليه وتيقن من ان صبرك وتقواك فى التزامك لا ضياع بعده .....
الباطل... زبد يطفو على صفحة الماء
ويضرب لنا ربنا مثالاً رائعاً آخر، ليؤكد على أن الحق راسخ قوي وإن كان خفياً، وأن الباطل هش لا قيمة له، وإن كان على السطح وانتفش، اسمع معي الآية 17: (أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) الماء النازلة من السماء تمثل الحق والخير الذي ينزل مع الوحي من السماء. فماذا كان أثر هذا الماء؟ (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا).
أنظر لقوته وعظمته، وكيف دخل في الوادي ليحمل الخير للناس، فماذا حدث؟ (فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا) (17).
أي أشياء لا قيمة لها من قش وفضلات، تجمعت على سطح المياه، فغطت الماء، بحيث أنها غطت المادة القيمة.
فصار الخير مغموراً تحت، والماء الذي سيزرع به تحت. أما الظاهر، فهو القش والفضلات التي لا قيمة لها (الزبد).
ويأتي مثل رائع آخر: (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَـٰعٍ زَبَدٌ مّثْلُهُ) (17).
فإذا وضعت قطعة ذهب في النار، لتختبر صفاءها ونقاوتها، فإن الشوائب في داخلها ستصعد إلى السطح، ويبقى المعدن النفيس تحت، نفس مبدأ المياه. كأن ربنا يقول لنا: هذا ماء وهذا نار، لكن المبدأ يبقى نفسه، والحق والباطل تبقى أشكالهم واحدة وحقيقتهم واحدة. فدائماً سيظهر الباطل على السطح وسيبقى الخير تحت، لكن الخير راسخ وإن لم تره، والباطل زائل وإن علا وطفا فوق السطح.
لذا فان الهزيمه النفسيه التى اصبحت تجول فى خواطر وقلوب المسلمين فى الدول العربيه من الضعف وعد القدره على النصر والتى لطالما تبث من خلال الافلام والمسلسلات الهزيمه النفسيه التى تحبط الشباب تريه انه ضعيف مغلوب على امره فلا فائده من عمل شىء ولا رجاء فى طاعه وانما الرجاء هى ان تسير على الخطا وعلى ما يشتيه منك الغير ....ولعل اكثر ما اجده حاضره قول بعضهم ( ان لم تخطط للنجاح فقد خططت للفشل ) وان لم تكن لك خطه تسير على نهجها فانت ولا بد جزء من خطه اخر يسيرك فيها كما يشاء ويشتهى فكن ذا قيمه واتبع الحق ولا تنهزم..
كذلك يضرب الله الحق والباطل
لذلك يأتي تعقيب واضح على هذين المثلين ليؤكد انسجامهما مع هدف السورة: (كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱلله ٱلْحَقَّ وَٱلْبَـٰطِلَ)(17). فماذا يكون مصير الإثنين؟
(فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱلله ٱلاْمْثَالَ) (17).
فهيا نعيش للحق، ومع أهله وأصحابه، الذين تحدثت عنهم الآية 14: (لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ...).
ويبقى سبب تسمية السورة، فلماذا اختار ربنا الرعد ليسمي السورة باسمه؟
لأن الرعد نموذج للتناقض، فهو من ناحية علمية، يحمل في طياته شحنات متناقضة، سالبة وموجبة. ومن ناحية إيمانية، فهو يظهر الرعب والخوف، لكنه يحمل الخير والمطر للناس. صوته رهيب من الخارج، لكن باطنه يسبح الله، اسمع قوله تعالى:
(وَيُسَبّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَٱلْمَلْـٰئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوٰعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَـٰدِلُونَ فِى ٱلله وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ) (13).
وكأن آيات الله الكونية في السورة (وعلى رأسها الرعد) توجه لنا نفس الرسالة، وهي أن لا ننخدع بظاهر الأشياء، بل انظر إلى باطنها.