سورة الصف (061)
الدرس (2)
الآيات: (5- 9)
لفضيلة الأستاذ
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، مع الدرس الثاني من سورة الصف ، ومع الآية الخامسة ، وهي قوله تعالى :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
1 ـ تسلية الله للنبي بقصص الأنبياء السابقين :
أولاً : هذه الآية كما يقول بعض العلماء : فيها تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، فحينما آذى كفَّر قريش النبي بتكذيبهم ، وأعمالهم ، وانحرافهم ، وتأليب الناس عليه ، والمكر عليه ، وإخراجه من بلده ، حينما بلغت قريشٌ في إيذاء النبي ما بلغت أراد الله سبحانه وتعالى أن يُسَلِّي النبي ، وأن يخفِّف عنه حينما ذكر له أنَّ موسى عليه السلام أوُذي كثيراً ، وقد قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عَبْدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
(( قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ ، فَغَضِبَ حَتَّى رَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَرْحَمُ اللَّهَ مُوسَى ، قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ )) .
[ متفق عليه ]
من حكمة الله اختلاط المؤمن مع غيره للابتلاء :
والإنسان أحياناً حينما يرى سنَّة الله في خلقه تخِفُّ عليه الأمور ، وحينما يرى أن الدنيا دار ابتلاء ، وليست دار نعيم ، وأن الآخرة دار نعيم ، حينما يرى أن الدعاة إلى الله ، وأنَّ المؤمنين قد يبتليهم الله بمن يعارضهم ، ومن يكذِبهم ، ومن يُؤلِّب الناس عليهم ، ومن يريد أن يطفئ دعوتهم ، حينما يستقرُّ في ذهن المؤمن أن الإنسان مبتلَى ، ون المؤمن مبتلى ليرقى عند الله .
قد ذكرت لكم من قبل أنه كان من الممكن أن يكون المؤمنون في قارَّة والكفَّار في قارَّة ، عندئذٍ لا مشكلة ولا ابتلاء ، ولا حرب ولا كيد ، ولا إخراج ولا تكذيب ، ولكن شاءت حكمة الله أن يختلط هؤلاء مع هؤلاء ليبلوَ هؤلاء بهؤلاء ، وهؤلاء بهؤلاء ، ليرقى هؤلاء المؤمنون عند الله عزَّ وجل بصبرهم وثباتهم وإصرارهم ، ولتُكشَف طويّة هؤلاء من تكذيبهم وانحرافهم ، واتِّباع شهواتهم .
هذه الآية فيها بادئ ذي بدء تسليةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، أي إنك يا محمد لم تُكذَّب وحدك ، ولا لم تُؤذ وحدك ، ولكنها سنَّة الله في أنبيائه وفي رسله ، والإنسان لا يرقى عند الله عزَّ وجل إلا بقدر تحمُّلِه ، وقد ذكرت لكم من قبل أن الحزن خلاَّق ، وأن الإنسان حينما يجهد في نشر الحق ، وحينما يتحمَّل في نشره الغالي والرخيص ، والنفس والنفيس لعلَّ الله سبحانه وتعالى يتجلَّى على قلبه برحمةٍ يُنسيه كل هذه المتاعب .
لا يدوم شيء إلا ثواب الطاعة وتبعات المعصية :
أيها الإخوة الأكارم ، الطاعات وما تنطوي عليه من مَشَقَّات تذهب مشقَّاتها ، ويبقى ثوابها ، والمعاصي وما تنطوي عليه من لذات ومَسَرَّات تذهب لذاتها ومسرَّاتها ، وتبقى تبعاتها وجزاؤها ، كل شيءٍ ماض ، ولا يدوم على حالٍ لها شانُ ..
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ من سرَّه زمنُ ساءَته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحدٍ ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
***
كل شيءٍ زائل ، إلا أن الطاعة يزول جهدها ويبقى ثوابها ، والمعصية تزول لذَّتها ويبقى إثمها ..
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ﴾
2 ـ أشدُّ أنواع إيذاء الأنبياء تكذيبهم :
الإيذاء أنواع ، لكن أشدُّ أنواع الإيذاء للأنبياء تكذيبهم ، قد نفهم أن هناك نوعاً من الأذى ماديا للأنبياء ، والحقيقة أن الأنبياء معصومون ، والأنبياء في حرزٍ حريز ، ولكن الأذى الشديد الذي يمكن أن ينال النبي هو تكذيبه ، وتسفيه دعوته ، وعدم الالتفات إليه ، و هناك أذى من نوع آخر ، لعلَّ هذا ورد في بعض كتب التفسير ، لكن أشدَّ أنواع الأذى هو الذي خلَّصهم ، هو الذي جَهِدَ عليه الصلاة والسلام لتخليصهم من فرعون ..
قصة موسى مع فرعون تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام :
﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾
( سورة الأعراف : الآية 129 )
أي أنهم سفَّهوا فضله ، عندما أنجاهم من فرعون الذي كان يذبِّح أبناءهم ، ويستحيي نساءهم قالوا :
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾
( سورة الأعراف : الآية 138 )
هذا فهم ثقيل ، المفسِّرون يوردون مواقف عديدة جداً .
﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾
( سورة المائدة : الآية 24 )
﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴾
( سورة طه )
هناك مواقف كثيرة لبني إسرائيل آذوا فيها النبي موسى عليه السلام ، قال تعالى :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ﴾
إنْ في التكذيب ، و إنْ في جحود الفضل ، و إنْ في طلب آلهةٍ تعبدونهم من دون الله ، هذا كلُّه يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام .
﴿ وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ
1 ـ بنو إسرائيل متيقِّنون من رسالة موسى عليه السلام :
( قد ) حرف تحقيق ، تعلمون علماً يقينياً أنني رسول الله ، ومقتضى علمكم أن تعظِّموني وأن تطيعوني ، فأنتم لا تعظِّموني ولا تطيعوني إذاً أنتم تؤذونني ..
﴿ وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
2 ـ شرف الرسول من شرف المُرسِل :
أي أن شرف الرسول من شرف المُرسِل .
إذا أهان الإنسان سفيرًا فكأنه أهان دولة ، وقد تنشب حروب بسبب إهانة سفير ، لأن هذا السفير يُمَثِّل أمَّة ، فإذا أُوذي النبي فهذا الأذى هو في الحقيقة أذًى لله ورسوله ، أي يؤذون الله بإيذائهم لرسول الله ، فلذلك الأنبياء يعظَّمون و ينصرون ..
قبيل معركة بدر عندما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
(( ما ترون يا قوم ؟ قال سيدنا سعد بن معاذ : لعلَّك تعنينا يا رسول الله؟ قال : أجل ، قال سيدنا سعد : لقد آمنا بك وصدَّقناك ، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق ، فامضِ على بركة
الله ، وسر بنا فو الذي بعثك بالحق لو خضت بنا البحر لخضناه معك ، ما تخلَّف منَّا واحدٌ منَّا ، فصل حبال من شئت ، واقطع حبال من شئت ، وخذ من أموالنا ما شئت ، ودع ما
شئت ، وسالم من شئت ، وحارب من شئت ، فو الذي بعثك بالحق .. مرَّةٌ ثانية .. للذي تأخذه من أموالنا أحبُّ إلينا من الذي تتركه لنا ، فامضِ على بركة الله )) .
[ السيرة النبوية بسند صحيح]
هذا موقف عظيم .
إن الصحابة الكرام بلغوا قمم المجد بتأييدهم للنبي ، وبمعاونتهم له ، ولذلك المؤمنون أيضاً حينما يتعاونون ، حينما يؤيِّد بعضهم بعض ، حينما يتكاتفون ويتضامنون ، حينما يلتمس بعضهم لبعضٍ العذر ، حينما لا يغمزون ، ولا يلمزون فإنهم يرقون عند الله عزَّ وجل ، فهذه الآية :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
3 ـ تعظيم الرسول وطاعته تعظيم لله وطاعة له :
أي مقتضى علمكم أن تعظِّموني ، وأن تؤمنوا بي ، وأن تطيعوني لا أن تعارضوني ، ولا أن تكذِّبوني ، ولا أن تحيدوا عن أمري ، لذلك هناك آيات كثيرة جداً تبيِّن أن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هي عين طاعة الله ، وأن إرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو عين إرضاء الله ..
﴿ مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾
( سورة النساء : الآية 80 )
﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾
( سورة المجادلة : الآية 13 )
إذاً : هذه الآية تسليةٌ للنبي صلى الله عليه وسلَّم ، وتخفيفٌ عنه ، وهي دعوةٌ للمؤمنين بشكلٍ خفي ألا تؤذوا رسول الله ، ألا تؤذوه بتكذيبكم له ، أو بمخالفتكم لأمره ، لأن هناك تكذيبًا قوليًا وتكذيبًا عمليًا ، فحينما تسفِّهون قوله فقد آذيتموه ، وحينما تحيدون عن أمره فقد آذيتموه .
﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾
(سورة الشورى : الآية 23 )
إلا أن تتودَّدوا إلى الله مودَّةً تقرِّبكم إليه ، فالنبي الكريم يصل إلى منتهى آماله حينما يرى الناس مقبلين على الله ، وعندما أطلَّ على أصحابه قبل أن يموت رآهم في الصلاة خاشعين ، ابتسم حتى بدت نواجذه ، وقال :
(( علماء حكماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء )) .
[ تخريج أحاديث الإحياء ]
هؤلاء العظماء ليس لهم من الدنيا شيء ، لهم من الدنيا أن تُحقَّق رسالتهم ، وأن ينهضوا بالناس ، أما التافهون فيعيشون ليأكلوا ، والأقلُّ تفاهةً يأكلون ليعيشوا ، أما المؤمن فيعيشُ ليعرف الله عزَّ وجل ، فهؤلاء الأنبياء العِظام حينما ينتشر الحق بين أقوامهم يسعدون ، وحينما يكذَّبون ، وحينما يُخالَفون فإنهم يتألَّمون ، فالأذى هنا أن تكذِّب النبي ، أو أن تحيد عن أمره .
الداعية المخلص لا يرجو من الناس عطاءً :
المعنى المُخالِف : إرضاء رسول الله لا أن تعطيه مالاً ، بل أن تكون في مستوى دعوته ، وإذا كان الدعاة صادقين في ما يدعون فلا يطلبون من الناس شيئاً ، إلا أن ينتشر الحقُّ بين الناس ، وأن يسعد الناس بالله عزَّ وجل ، وأن يرقوا إليه ، وأن تسمو نفوسهم ، وأن يكون الإسلام مطبَّقاً في كل الأسر ، لذلك الصادق لا يريد على دعوته شيئاً ، لا يريد إلا أن يُسعِد الناس ، فإن سعدوا سعِد بإسعادهم ، وإذا أردت أن تسعد فأسعِد الآخرين .
القرآن الكريم كتاب تربوي ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أُوتي الفِطنَة ، فأحياناً يمكن أن أقدِّم لك الحقائق بشكل قصَّةٍ تاريخية ، هذه الحقائق إخبار وتوجيه في وقتٍ واحد ، فالنبي يُكَذَّب ، والنبي يؤذى ، فلمَّا قال الله عزَّ وجل :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
هذه تسليةٌ للنبي ، وهذا توجيهٌ للمؤمنين ؛ أن أيها المؤمنون إيَّاكم أن تؤذوا رسولكم ، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام قال تعالى في حقه :
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
( سورة الأنفال : الآية 33 )
أي إذا كانت سنَّتك يا محمَّد مطبَّقةً في بيوتهم ، وفي أعمالهم ، وفي حياتهم ما كان الله ليعذِّبهم ، هم في بحبوحةٍ من عذاب الله حينما يطبِّقون سنَّتك ، والله سبحانه وتعالى لم يقبل دعوى محبَّته إلا بالدليل ، ودليل دعوى محَبَّته أن يطاع رسول الله ، قال تعالى :
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾
( سورة آل عمران : الآية 31 )
4 ـ تكذيبُ النبي إيذاءٌ له :
فلذلك المعنى المخالِف : إنك إن كذَّبت النبي وحِدَّت عن أمره آذيته ، وإنَّك صدَّقت النبي وطبَّقت سنَّته فقد أرضيته ، وإرضاء النبي إرضاءٌ لله عزَّ وجل ، لأن النبي دعوته تَشِفُّ عن الحقيقة الإلهية ، ليس له ذاتٌ تحجبك عن الحقيقة الإلهية ، كل أقواله وأفعاله وإقراره وأحواله إنما تبيِّن كمال الله عزَّ وجل ، وما وعد به المؤمنين من جنَّةٍ عرضها السماوات والأرض .
﴿ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
أحياناً لو أن أباً يربّي ابنه على الجدِّ في الدراسة ، لو أن صديقاً لابنه صرفه عن الدراسة ، وزَهَّده فيها ، وحمله على أن يغيب عن مدرسته ، أليس في هذا السلوك إيذاءٌ للأبِ ؟ قد يقول الأب لهذا الصديق المنحرف : لمَ تؤذيني في ابني ؟ لأن الرحمة إذا ارتفع مستواها ، الأذى الذي ينال الرحيم لا أن تنال من جسده ، بل أن تنال من دعوته .
إياك أن تعارض الحق أو تكون في خندق الأعداء :
إذا أراد إنسان أن يُسَفِّه داعيةً ، أو أراد أن يطعن في الداعي بلا سبب وبلا دليل أليس هذا إيذاء للحق ؟
شخصٌ يستفيد من إنسان ، يعتقد فيه الصلاح ، وهو مطبِّقٌ للدين اعتقاداً منه أن هذا الذي يدعوه صادقٌ في ما يدعوه ، ومستقيمٌ على أمر الله الذي يدعو إليه ، فإذا أردت أن تكذب ، وأن تسفِّه ، وأن تطعن ، وأن تقلل من قيمة هذه الدعوة ، أليس في هذا التقليل ، وهذا التسفيه ، وهذا الطعن تجريحٌ للدعوة ، وإيذاءٌ لصاحب الدعوة ؟ فالإنسان يكون مع الحق ، وليحذر أن يكون في خندقٍ مناهضٍ للحق ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ﴾
) سورة التحريم )
أي أيها الإنسان قبل أن تعارض الحق ، وقبل أن تقف في خندقٍ يعاند الحق ، وقبل أن تتمنَّى إطفاء نور الله فكِّر ملياً أنك إذا فعلت هذا فإن الله سبحانه وتعالى وجبريل والملائكة والمؤمنين جميعاً سوف يكونون في مواجهتك ، فالإنسان يحذر ألف مرَّة أن يناهض الحق ، لأن الحق ماضٍ إلى ما لا نهاية ، الحق هو الله ، فهل من الممكن لطفل صغير يجابه أكبر جيش في العالم ؟ إنه يُقتَل في ثانية ، وهل يمكن لجيش صغير أن يجابه أكبر جيش ؟ فالإنسان عندما يفكِّر أن يعاند الحق ، أو يطفئ نور الله عزَّ وجل فهو يفعل المستحيل ، لكنه لا يصيبه إلا سوء طَوِيَّتِهِ ..
تُروى طرفة أن قوم إبراهيم عندما أضرموا ناراً عظيمة لإحراق هذا النبي الكريم ، كانت ضفدعةٌ تملأ فمها بالماء ، وتطفئ به الحريق ، وحشرةٌ أخرى كانت تنفُخُ في النار ، لا الحشرة زادت من إيقاد النار ، ولا الضفدعة أطفأت النار ، ولكن ..
﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾
( سورة الإسراء : الآية 84 )
إن الإنسان إذا عارض الحق فإن الحق ماضٍ ، الحق لن يقف ، وإذا أيَّد الإنسانُ الحقَّ فإن الحق ماضٍ لن يقف ، إلا أن الذي أيَّد يرقى عند الله ، والذي عارض يسقط من عين الله ، والحق هو الله ، فلا تأييدك يزيد الحق تألُّقاً وقوَّةً ، ولا المعارضة تضعفه ، لأن الحق هو الله ، فإنك إن أيَّدت الحق ارتقيت عند الله ، وإنك إن عارضته سقطت من عين الله .
هناك أشخاص .. سبحان الله ! يرى شابا مؤمنا ، مستقيما ، ورعا فيسفِّه له دينه ، يقول له : هذا تزمُّت ، يدعوه إلى التفلُّت ، يدعوه إلى عدم التقية ، يدعوه إلى الاختلاط ، يدعوه إلى عدم الشدَّة في تطبيق أحكام الدين ، هذا هو الشيطان بعينه ، إذا اقترب الإنسان من الله ، وجهِد في طاعة الله عليك أن تُشَجِّعه ، عليك أن تنصره ، عليك أن تعينه على ما يبتغي ، لا أن تثبِّط من عزيمته ، لا أن تضعف همَّته ، إنك إن ثَبَّطت عزيمته أو أضعفت همَّته كنت في خندقٍ مع الشيطان في آنٍ واحد ..
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
1 ـ الفاسق لا يهتدي :
هذا قانون ، الفاسق لا يهتدي ، لأن معصيته حجابٌ بينه وبين الله ، وقضية الدين قضية خطيرة ، الدين ليس قضية كتاب تقرأه فتفهمه ، أو تؤدي فيه امتحانا ، وانتهى الأمر ، الدين التزام ، الدين مبدأ ، الدين تطبيق لهذا المبدأ ، الدين مكارم أخلاق ، فإذا كان الإنسان فاسقاً ففسقه حجابٌ بينه وبين الله ..
﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
لأن جبلَّة الإنسان إذا انحرف ، وعصى الله عزَّ وجل يخجل بمعصيته ، فيحجب نفسه عن الله ، هذا سمَّاه العلماء : " تحصيل حاصل " ، فإذا لم يذهب الإنسان إلى الماء ليشرب مات عطشاً ، وموته عطشا تحصيل حاصل لرفضه أن يشرب الماء ، فلا نقول : فلان أماته العطش ، هو حينما صرف نفسه عن نبع الماء مات عطشاً ، هذا اسمه في علم الكلام تحصيل حاصل ..
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
2 ـ الإضلال الجزائي مبنيُّ على ضلال اختياري :
الفاسق لا يهتدي إلى الله ، لأن معصيته حجابٌ بينه وبين الله ، وهذا حينما أزاغ قلبه عن الله ..
إنسان مريض يتوجَّه إلى المستشفى ، فإذا غيَّر جهته خَسِرَ العلاج .. هذا أيضاً تحصيل حاصل ، لذلك أيُّ إضلالٍ جزائي ، أيُّ إضلالٍ معزّوٍ إلى الله عزَّ وجل فهو إضلالٌ جزائي مبنيُّ على ضلال اختياري ، وأية إزاغةٍ معزوّةٍ إلى الله هي إزاغةٌ جزائيةٌ مبنيةٌ على زيغٍ اختياري .
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
أي إنسان رفض الجامعة ، حينما رفض دخول الجامعة خسر كل شيء ؛ خسر الميّزات ، الشهادة ، الدرجة العلمية ، المكتبة ، الاستثناءت ، الميزات ، أحياناً يكون الراتب الشهري ، وأحياناً مدينة جامعية ، كل هذه الميزات خسرها باختياره ، لأنه زاغ عن الجامعة ، فزاغت عنه ميّزاتها ، والإنسان مخيّر ، وأعماله من اختياره ، فلذلك :
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا ﴾
فلمَّا انصرفوا عن الله عزَّ وجل صُرِفَت عنهم الخيرات التي كانت تنتظرهم ، انصرف عن المستشفى فخسِر المعالجة ، انصرف عن الجامعة فخسِر العلم ، هذا تحصيل حاصل ، زاغت نفسه عن الله فخسِر كل ما في الهدى من خيرات ، خسِر رضوان الله ، خسر توفيق الله ، خسر حفظ الله ، خسر تطمين الله له ، خسر الآخرة ، خسر الدنيا ..
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا ﴾
3 ـ معنى الزيغ :
زاغ أي انحرف ..
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾
( سورة النجم )
ما زاغ أي ما انحرف ..
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾
زاغوا حينما فسقوا ، لمَّا فسقوا زاغوا .
﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾
هذا تحصيل حاصل .
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾
( سورة الصف : الآية 6 )
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾
هو ليس منهم ، ليس من قومهم ، وهنا دقَّة بالغة في الآيات ، قال :
﴿ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
أحياناً أعداء الدين إذا أرادوا أن يجاملوا المؤمنين يضفون على الأنبياء العبقرية ، والذكاء ، والتفوّق ، ويغفِلون النبوّة والوحي ، وهذا شيء خطير جداً ، هم يريدون النبي إنسانا متميزا ، متفوقا ، ذكيا جداً ، عبقريا ، أراد أن يوحِّد الأمَّة ، أراد أن يجمعها تحت لوائه ، ويغفلون أنه نبيٌّ مرسل يوحى إليه ، وأنه يتحرَّك بأمر الله ، هذا يغفلونه ، فلذلك :
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾
4 ـ لكل نبي معجزة تثبت نبوته :
عندما يكون النبي إنسانا حينما يأتي بمنهجٍ دقيقٍ فإنه يحدُّ من شهوات الناس ، والناس ماذا سيقولون حينما يأتيهم منهج يحدُّ من حركتهم العشوائية ، ومن انغماسهم بالشهوات ؟ إن ردّ فعلهم الطبيعي أن يكذِّبوه ، ويقولون : أنت كاذب ، لست رسول الله ، ماذا ينبغي أن يفعل هذا الرسول حتى يؤكِّد لهم أنه رسول الله ؟ ينبغي أن يأتي بالمعجزات التي يعجز عنها كل البشر ، وينبغي أن يأتي بالمعجزات التي تفوّق فيها البشر ، فقوم موسى وعيسى لهم تفوقٌ في شيئين ، تفوقوا وعجزوا ، قوم سيدنا عيسى تفوقوا في الطب ، فكانت معجزته إحياء الموتى ، وهذا فوق طاقة الطب ، سيدنا موسى قومه تفوقوا في السحر ، فجاء هو بشيءٍ يفوق السحر ، العصا تصبح ثعباناً مبيناً تلقف ما يأفكون ، سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام قومه بُلَغَاء ، فصحاء ، شعراء ، فجاءهم بكلامٍ معجز ، إلا أن معجزة النبي عليه الصلاة والسلام باقيةٌ إلى يوم القيامة ، معجزة عقلية بيانية ، كلَّما تقدَّم العلم كشف من إعجاز القرآن الشيء الكثير ، معجزة باقية إلى يوم القيامة ، بينما معجزات الأنبياء السابقين ظهرت لحين ، وانتهت ، وأصبحت خبراً يصدِّقه من يصدقه ، ويكذبه من يكذبه ..
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ﴾
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
1 ـ الإنجيل يصدِّق التوراة :
أي أن الإنجيل يصدِّق التوراة .
﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾
2 ـ الإنجيل بشَّر بالنبي عليه الصلاة والسلام :
هذا بحث طويل ، ففي بعض الأناجيل ورد اسم النبي عليه الصلاة والسلام .. فرقليط .. أي أحمد ، وهذا في بعض الأناجيل ، وفي بعضها الآخر مُحِي .
﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾
2 ـ الفرق بين اسمي أحمد ومحمد :
الحقيقة أن أحمد ومحمدا بينهما فرقٌ دقيق :
أولاً : اسم فرقليط يشير إلى أحمد عندهم ، وهذا من دقَّة القرآن الكريم .
أما المعنى الثاني : أن أحمد اسم تفضيل ، أي أن النبي عليه الصلاة والسلام أكثر الناس حمداً لله عزَّ وجل ، فهو اسم يبين النوع ، بينما محمَّد له معنيان ، يبين كثرة حمده لله ، ويبين أنه محمودٌ عند الله ، وعند الخلق ، وعند نفسه ، فمحمد اسم فاعل مبالغ به مبالغة تكرار ، ومبالغة كم ، أو اسم مفعول مبالغ به مبالغة تكرار أو كمٍّ ، أي محمد كثير الحمد ، أو كثير المحمودية ، أي يحمد الله كثيراً في كل أوقاته ، في كل أحواله ، في كل شؤونه .
الحمدُ يقابِل النِّعم :
الحقيقة حينما تقرأ الفاتحة في القرآن الكريم ، أو حينما تقرأ الفاتحة في الصلاة .. الحمد هذه أول كلمة .. الحمد يقابل النعم ، والنعم بين يديكم ؛ نعمة البصر ، نعمة السمع ، نعمة الشم ، نعمة النُطق ، نعمة الحركة ، نعمة سلامة الأجهزة ، القلب ، والرئتين ، والمعدة والأمعاء ، والكليتين ، نعمة العظام ، نعمة العضلات ، نعمة العقل ، نعمة الأعصاب ، نعمة الطعام والشراب ، نعمة الزوجة ، نعمة الأولاد ، النعم لا تُعَدُّ ولا تًحصى ، بل إن الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾
( سورة النحل : الآية 18 )
النعمةٌ واحدة ، ولن تستطيعوا أن تعدّوا خيراتها ولا بركاتها ، فإذا كنتم عاجزين عن أن تعدوا خيراتها وبركاتها ، فلأن تكونوا عاجزين عن شكرها من باب أولى .
لا يكون الحمد إلا لله :
لمن الحمد ؟ عند المؤمن الحمد لله ، وغير المؤمن الحمد لزيد ، أو الحمد لعُبيد ، أو الحمد لفلان ، أو الحمد لعلاَّن ، أو الحمد للمال الذي أحوزه ، يقول لك : الدراهم مراهم ، أو الحمد للذكاء ، أو الحمد لعشيرتي ، أو الحمد لجماعتي ، هذا هو الشِرك ، أما عند المؤمن فالحمد لله .
المشكلة ليس في إثبات الحمد أو عدم إثباته ، المشكلة إلى مَن يُعْزَى الحمد ؟ الحمد لله ، لذلك المؤمن ينتقل من النعمة إلى المُنْعِم ، والكافر يبقى في النعمة ، الكفَّار غارقون في النعم ، ويستغلِّون نعم الله أعلى استغلال ، إلا أنهم لم ينتقلوا من النعمة إلى المنعم ، إنهم وقعوا في النعمة ، وحُبِسوا فيها ، ولم يجاوزوها إلى المنعم ..
لذلك ( أحمد ) أعظم الناس حمداً ، والحامد الأول في الكون ، لأن أساس الكون مسخَّر تسخيرين ؛ تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، تسخير التعريف ردُّ فعله الإيمان ، تسخير التكريم ردَّ فعله الشكر ، لذلك :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
( سورة النساء : لآية 174 )
وهذا أصل الدين ، الله عزَّ وجل منحك نعمة الوجود ، أنت موجود ، لك اسم ، منحك نعمة الإمداد ؛ فأمدَّك بالماء والهواء ، والطعام والشراب ، والزوجة والأولاد ، أمدَّك بنعمة الهدى فأنت كلّك نعمة ، والنعمة تحتاج إلى شيئين ، النعمة تحتاج إلى شكر ، وحينما تعلم أن الذي خلقك هو إلهٌ عظيم فهذا يحتاج إلى إيمان ، فإنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف الذي من أجله خُلِقت ، فإذا آمنت وشكرت توقَّف العلاج ..
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
فـ ( أحمد ) سيد الحامدين ، وأحمد الحامدين ، ولا يوجد مخلوق على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة حمد الله حمداً كحمده ، ونحن جميعاً نتفاوت في الحمد ، فكلَّما رأيت فضل الله كنت له أكثر حمداً ، إذاً : الحمد متعلِّق بالرؤية ، فإن رأيت فضل الله عليك تحمده حمداً كثيراً ، وإذا أردتم الشيء الدقيق فإن المؤمن يحمد الله حمداً دائماً ، وكان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقَّت ، فكأس من الماء تشربه الطريق سالك ، لأنه لو لم يكن سالكاً لكنت بين الأطبَّاء ، والمستشفيات تحتاج إلى تمييل ، إلى فتح مجرى ، إلى عملية جراحية ، أحياناً تقف بحصة في الحالب فتجعل حياة الإنسان جحيماً لا يُطاق ، تحتاج إلى مستشفيات ، وإلى تفتيت ، وإلى تصوير ، وإلى جراحة ، فلذلك كانت تعظم عنده النعمة مهما دقَّت .
إنسان يقضي حاجته بنفسه معزَّزا مكرَّما نظيفا ، فإذا شُلَّت أعضاؤه فإنّ أقرب الناس إليه يتمنَّى موته ، أولاده ، زوجته ، والدعاء الشهير هو : " الله يخفِّف عنه " ، وإذا اختلَّ عقل الإنسان فإن أقرب الناس إليه يسعى لإخراجه من البيت الذي اشتراه لهم ، وإيداعه في مستشفى الأمراض العقلية .. وإذا افتقر الإنسان فقد ينقِّب في الحاويات ليأكل شيئاً لا يؤكل .
عندما يكون الإنسان مكتفيًا ، أجهزته سليمة ، والحقيقة أن الشيء المعجز ليس في الخلل ، ولكن في السلامة ، ففي خمسون مادَّة ، وكل مادَّة لها نسب دقيقة ، لو ارتفعت قليلاً اختل الجهاز الثاني ، هذه الغدَّة النخامية ملكة النظام الهرموني ، وزنها نصف غرام ، تفرز اثني عشر هرمونا ، أحد الهرمونات يحقق توازن السوائل ، لو اختل هذا الهرمون فإنك تحتاج إلى أن تشرب أكثر من مئة لتر في اليوم ، وأن تطرحها ، ولا يبقى لك عمل إلا أن تشرب ، وأن تطرح ، لو اختلَّ هرمون واحد من اثني عشر هرموناً من غدَّة وزنها نصف غرام نخامية ، الإنسان خلقه معجِز ، فإذا استيقظ الإنسان صباحاً معافى ، وكان مطيعاً لله ، فهذا نعمة لا تقدَّر بثمن ، لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )) .
[ الترمذي ]
إذاً : ( أحمد ) سيِّد الحامدين ، ومحمود أي محمودٌ عند الله ، وعند الخلق ، وعند نفسه .
أحياناً يكون الإنسان ذكيا جداً ، فيحمده الناس ، أما هو فيحتقر نفسه ، لأنه يكذب عليهم ، لأنه يستغلّهم دون أن يشعروا ، فالبطولة أن تشعر أنك محمودٌ عند الناس ، ومحمودٌ عند الله ، ومحمودٌ عند نفسك ، واحترام النفس شيء مهم جداً ، وبعض الأشخاص ساقطون من عين أنفسهم محترمون عند الناس لأنهم أذكياء ، ويوهمون الناس أنهم يعطون ، لكنهم يستغلِّون ، فيسقطون من عين أنفسهم بينما ينتزعون إعجاب الآخرين ، وهناك أشخاصٌ يحمدهم الناس ، وهم عند الله ساقطون ، ولأن يسقط الإنسان من السماء إلى الأرض فتتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله ، فكان عليه الصلاة والسلام محمَّداً ، أي كثير المحمودية ، أو كثير الحمد ، فالفرق بين أحمد وبين محمَّد فرق بين النوع والكم ، أحمد نوعاً ، ومحمد كمَّاً .
الإنسان أحياناً يحمد الله إذا اشترى بيتا ، أو تزوج ، أو نال شهادة عُليا ، أو اشترى مركبة ، أو حقَّق نجاحا في عمله ، وهو في مليون نعمة كل يوم ، كل يوم أنت مغمور بملايين النعم ، فلو كنت يقظاً ، ولو كنت ذاكراً لفضل الله عزَّ وجل ، ولو كانت رؤيتك صحيحة لحمدت الله مع كل نفَس ، والذي يحمد الله عزَّ وجل يزيده الله من فضله ..
﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾
( سورة إبراهيم : الآية 7 )
أي أنَّ هذه النعمة لو حمدت الله عليها فلن تزول ، بل ستزداد ، لأن الله يقول :
﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
( سورة الصف : الآية 6 )
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ
الدَّالة على أنه رسول ، ومِن هذه البينات إحياء الموتى ، إخبارهم بما في بيوتهم ..
﴿ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ ﴾
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ
هذه ( من أظلم ) تقصم الظهر ، أي أنه ليس في الأرض إنسانٌ أشدُّ ظلماً لنفسه ممن يُدعى إلى الحق ، ثم يتهم الحق أنه باطل ، وأنه سحر ، وأنه كذب ، وأنه دجل ، وأنه غيبيَّات ، هذا الذي يُدعى إلى الحق ، ثم يُسفِّه الحق ليس في الأرض كلِّها إنسانٌ أشدُّ ظلماً لنفسه منه ..
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾
جاءك الحق فقلت : هذا كذِب .
﴿ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾
وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
هؤلاء ظلموا أنفسهم قبل كل شيء ..
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
( سورة الصف : الآية 8 )
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ
1 ـ لا يمكن لأحد أن يطفئ نور الله :
الحقيقة : هل يمكن لإنسان أن يلغي نور الشمس مهما كان ذكياً ؟ هل يمكن أن يطفئ لهيب الشمس بفمه ؟ إذا وقف رجل ، ونفخ باتجاه الشمس هل تنطفئ ؟
﴿ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
الحق ماض ، والإسلام شامخٌ كالجبال ، وعندما ينصر الإنسانُ الإسلامَ فإنه يرتقي عند الله فقط ، أما الإسلام فهو الإسلام ، الإسلام منصور ، لأنه دين الله .
2 ـ معنى : نور الله :
قال بعض العلماء : " نور الله هنا أي محمدٌ عليه الصلاة والسلام " .
لما انقطع عنه الوحي أربعين يوماً فرح الكفَّار ، وقالوا : لقد طُفئ نور الله .. انتهينا منه ، وخلصنا منه .. ثم جاء الوحي مستمرا ، فقال بعض العلماء : " نور الله هو النبي عليه الصلاة والسلام " .
وقال بعضهم : " هو القرآن الكريم " .
وقال بعضهم : " هو الإسلام " .
وقال بعضهم : " هي الآيات الدَّالة على عظمة الله " .
لذلك إطفاء نور الله أي الطعن في القرآن ، أو الطعن في النبي العدنان ، يقولون لك : تزوَّج تسع نسوة ، ماذا يعني ذلك ؟ هذه لها بحث طويل ، ولو قرأت هذا البحث لذابت نفسك تعظيماً لهذا النبي ، فهناك من يطعن في النبي ، يريد أن يُطفئ نور الله ، هناك من يريد أن يطعن في القرآن فيقول لك : موضوعاته متنوعة ليس فيها منهجية ، هناك من يقول ذلك ، هناك من يطعن في الإسلام كمنهج وكنظام ، هناك من يطعن في كل آيةٍ دالَّةٍ على عظمة الله ، وهناك من يحاول أن يُطفئ نور الشمس بفمه ، وهذا مثل واضح جداً ، لذلك " ما ضرَّ السحاب وهي في السماء نبح الكلاب وهي في الأرض " ، فلو تحوّل الناس جميعهاً إلى كنَّاسين ليغبِّروا على الإسلام ما غبَّروا إلا على أنفسهم ، لأن الإسلام دين الله ، وما ضرَّ البحر أن رماه غلامٌ بحجر ، إذْ وقف طفل على ساحل البحر ، وألقى حجر فيه ، والبحر أربعة أخماس اليابسة ، عمقه اثنا عشر كيلو متر ، طفل ألقى فيه حجرا ماذا فعل ؟ ما فعل شيئاً ، ما ضرَّ السحاب نبح الكلاب ، وما ضرَّ البحر أن ألقى فيه غلامٌ بحجر ، ولو تحوّل الناس إلى كنَّاسين ليغبِّروا على الإسلام ما غبَّروا إلا على أنفسهم ، ولا يوجد دين كاد له الكائدون ، وخطط له أعداؤه كهذا الدين العظيم ، والشيء الغريب أن هذا الدين كلَّما أردت أن تطفئ نوره ازداد تألُّقاً ، والذي يريد أن يطفئ نور الله كمن يريد أن يطفئ النار بالزيت ، وكلَّما ألقى عليها الزيت ازدادت اشتعالاً ، لذلك الأصل أن تكون مع الحق لا أن تكون ضدَّ الحق .
دركات مَن عارض الأنبياء ودرجات المؤمنين بهم :
حينما جاءت الدعوة إلى النبي الذي عارضه وكذَّبه قومه ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ ، حينما قُتلوا في بدر سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُنَادِي عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ : (( يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، يَا أُمَيَّةُ بْنَ خَلَفٍ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا ، فَإِنِّي وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، تُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيَّفُوا ؟ قَالَ : مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُوا )) .
[ متفق عليه ]
الذين نصروه أين هم ؟ لهم لوحات الشرف ؛ سيدنا الصدِّيق ، سيدنا عمر ، سيدنا عثمان ، سيدنا علي ، سيدنا سعد ، سيدنا معاذ ..
عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ :
(( يَا مُعَاذُ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ... )) .
[ أبو داود ]
وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ، فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ :
(( يَا سَعْدُ ، ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي )) .
[ متفق عليه ]
وعَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :
(( قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ )) .
[ مسلم ]
(( أبو بكرٍ ما ساءني قط ، فاعرفوا له ذلك )) .
[ ورد في الأثر ]
الذين أيدوه ونصروه أين هم ؟ في روضات الجنَّات ، في أعلى عليّين ، في سجل الخالدين ، والذين كذَّبوه ، وآذوه أين هم الآن ؟
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾
( سورة غافر )
أي ستة آلاف سنة × ثلاثمائة وستين يومًا × اثنين ، والخير إلى الأمام ..
﴿ غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾
الذين كذَّبوه النبي ، ألف وأربعمائة وستة عشر سنة × اثنين × ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً × اثنين .
﴿ غُدُوًّا وَعَشِيًّا ﴾
إنّ أصحابه أيَّدوه ونصروه وافتدوه بأرواحهم ..
امرأةٌ تبحث عن رسول الله ، رأت زوجها قد قُتِل في ساحة المعركة ، ثم رأت أخاها قد قِتٍل ، ثم رأت أباها ، ثم رأت ابنها وهي تقول : " ما فعل رسول الله ؟ فلمَّا رأته سليماً قالت : كل مصيبةٌ بعدك هينةٌ يا رسول الله " .. لا توجد مشكلة .. هكذا كانوا الصحابة .
النبي تفقَّد أحد الصحابة فقال : أين فلان ؟ لم يعرفوا عنه شيئاً ، وهو سعد بن الربيع ، ذهبوا إلى ساحة المعركة فرأوه في النزاع الأخير ، قال الذي أرسله النبي : يا سعد لقد أمرني النبي أن أتفقَّدك فهل أنت مع الأحياء أم مع الأموات ؟ فقال له : " أنا مع الأموات .. أي انتهيت .. ولكن بلِّغ رسول الله مني السلام .. وهو في قمَّة السعادة .. وقل له : جزاك الله عنَّا خير ما جزى نبياً عن أمَّته ، وقل لأصحابه : يقول لكم سعدُ : لا عذر لكم إذا خُلِصَ إلى نبيكم وفيكم عينٌ تطرف " ، و كما قال أبو سفيان: " ما رأيت أحداً يحبُّ محمداً كحبّ أصحاب محمدٍ محمداً " ، فالله عزَّ وجل رفع شأنهم وأعطاهم قوّة ، وجعلهم في الخالدين .
وكل إنسان في أي عصر يستطيع أن يكون مؤمنا ، ويعين أهل الحق ، ويكون داعية إلى الله ، وأهم شيء إذا طبَّقت الدين تكون أكبر داعية وأنت ساكت ، أنت اسكت ، وطبق الدين فقط ، كن صادقاً ، كن أميناً ، يمكن بأي حرفة تكون ، بأي مصلحة إذا كنت مطبِّقاً لأوامر الدين تغدو علماً ، تغدو حجَّةً ، تغدو داعيةً وأنت صامت بعملك ، الدين لا يحتاج إلى فلسفة كثيرة ، بل يحتاج إلى تطبيق ، يحتاج إلى تألُّق في الدين لا من تشقيق المعاني ، وتنميق الألفاظ ، بل من صدق العمل ، وصدق النيات ، لذلك :
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
خاتمة :
اطمئنوا .
﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾
هذا دين الله فلا تقلقوا أبداً ، مهما كَثر عليه أعداؤه ، مهما أرادوا أن يطفئوه فإنه يزداد تألُّقاً ، فبعد سنواتٍ عدَّة يصبح الإسلام الدين الثاني في أمريكا ، وفي فرنسا قبل عام احتُفِل بتدشين الجامع رقم ألف ، وهو الدين الثاني .
الحقيقة أن أناسا كثيرين بالملايين يدخلون في دين الله ، لأنه لم يبق من الحق إلا دين الله عزَّ وجل ، كل شيء سقط وبقي هذا الدين شامخاً ، فلذلك :
﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾
أي أن الإسلام ماضٍ ، والدين حق ، فإذا أعنت ودعيت ، ونصرت وعاونت تكسب شرف ، أما نصره لا يتعلَّق بك ، ولا على دعمك ولا تأييدك ، الدين دين ، والحق قائم ، إنك إن نصرته اكتسبت شرف نصره ، وإن لم تفعل كما كان الذين عارضوا الإسلام في مزبلة التاريخ ، معروف مصير الإنسان أين هو لو عارض الدين ..
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾
تصوَّر نور الشمس ، نور الله أبلغ من نور الشمس ، هذه الشمس التي تبعد عنَّا مئة وستة وخمسين كيلو متر ، بعض ألسنة اللهب فيها طوله مليون كيلو متر .. أي ألف ألف كيلو متر .. هل تستطيع وأنت على الأرض أن تتوجَّه نحو الشمس ، وتنفُخ فتنطفئ الشمس ، فهذا المثل واضح جداً ، الذي يحاول أن يطفئ نور الله بتخرُّصاته وكذبه كمن يحاول أن يطفئ نور الشمس بنَفَسِهِ ، وهذا مستحيل ، إلا أنك إذا نصرت الحق ودعمته ، وكنت عوناً لأهل الحق اكتسبت شرفاً عظيماً أنت بحاجة لهذا الشرف ، أما الحق فماضٍ إلى نهاياته ..
﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾
والحمد لله رب العالمين
