سورة الزُّمر 039 - الدرس (2): تفسير الأيات (03 – 04) الكون والآيات الكونية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة الزُّمر 039 - الدرس (2): تفسير الأيات (03 – 04) الكون والآيات الكونية

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 15 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 06- غزة وخزة ايقاظ- د. عبدالوهاب الطريري           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - علامات قبول الطاعة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 387 - سورة المائدة 004 - 005           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 45- إدارة الأزمات والمخاوف- أ. أسامة ملحس -14 - 04 - 2024           برنامج مع الأسرى: مع الأسرى - حلقة45 - 13 - 4-2024         

الشيخ/

New Page 1

     سورة الزُّمر

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة الزُّمر ـ (الآيات: 03 - 04) - الكون والآيات الكونية

25/09/2012 16:48:00

سورة الزمر (39)
الدرس (2)
تفسير الآية: (3- 4)
الكون والآيات الكونية
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
الآيات الكونية التي تحدث عنها القرآن تأخذ حَيِّزاً واسعاً جداً في كتاب الله :
 
أيها الأخوة الأكارم، مع الدرس الثاني من سورة الزُمَر، ومع الآية الرابعة، الآية الرابعة أيها الأخوة آيةٌ قرآنية تتحدث عن الكون، وقبل أن نمضي في شرح هذه الآيات بتوفيق الله وبعونه، أحب أن أقف قليلاً عند الآيات الكونية.
يا أيها الأخوة الأكارم، لو قرأتم القرآن بأجزائه الثلاثين لوجدتم أن حجم الآيات الكونية حجمٌ كبير، تأخذ الآيات الكونية التي تحدث عنها القرآن حَيِّزاً واسعاً جداً في كتاب الله، ألم يسأل أحدكم هذا السؤال: لماذا ذكَّرنا الله بهذه الآيات؟ ما الهدف من ذلك؟ الإنسان العادي العاقل إذا تكلم فلكلامه قصدٌ واضح، ربنا سبحانه وتعالى حينما قال:
     
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ*خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾
 
 الآيات الكونية في القرآن الكريم ما ذكرها الله تعالى إلا لتكون وسيلةً لمعرفته سبحانه:
 
سؤالٌ كبير وسؤالٌ خطير: لماذا هذه الآيات الكونية؟ الجواب البسيط هو: أن الله سبحانه وتعالى لا يدرَك بالحواس، قال تعالى:
﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾
[ سورة الأنعام: 103 ]
ولكن العقول تتعرف إليه، الشيء اللطيف في الموضوع أن الشيء إذا ظهر وآثاره فسبيل الإيمان به الحواس، هذا اليقين الحسي، إذا رأيت عينَ النارِ ودخانها يكفي أن تنظر إليها وتقول: هذه النار، أما إذا غابت ذات الشيء وبقيتآثاره، فسبيل الإيمان به الاستدلال العقلي، ربنا جل جلاله ذاته غابت عن حواسِّنا، ولكن آثاره باديةٌ لنا، آثاره في كل شيء، في أنفاسك، في تفكيرك، في أحاسيسك، في طعامك، في شرابك، في مسكنك، في لباسك، في أهلك، في أولادك..
في كل شيءٍ له آيةٌ           تـدل على أنه واحد
*   *   *
هذه كلها تنطق بوجوده، تنطق بكماله، تنطق بوحدانيته، تنطق بأنه هو الخالق، هو الرب، هو المسَيِّر، لذلك لما ذكر ربنا عز وجل هذه الآيات الكونية في قرآنه الكريم، ما ذكرها إلا لتكون وسيلةً لمعرفة الله، قال تعالى:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
[سورة الجاثية: 6]
فما من طريقٍ إلى الإيمان بالله إلا من خلال آياته، لأن ذات الله غابت عن حواسِّنا، قال:
﴿ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي ﴾
[سورة الأعراف: 143]
أي أن طبيعتك المادية لا تحتمل أن تراني.
 
الكون تجسيدلأسماء الله الحسنى :
 
قال تعالى:
﴿ وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ﴾
[سورة الأعراف: 143]
إذاً لا سبيل إلىمعرفة الله عن طريق الحواس، كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، ليس بشيءٍ ولا متبَعِّضٍ ولا متجزئٍ، فهناك وصف لله عظيم جداً، لكن هذا الكون يدل عليه، ربما كان هذا الكون إن صح التعبير مظهراً لأسماء الله الحسنى، ربما تجسَّدت إن صح التعبير أسماء الله الحسنى بهذا الكون، فأنت إذا تأمَّلت في الكون وصلت إلى الله، الأجانب تأملوا في الكون، لكن ما وصلوا إلى الله، لأنهم حينما تأملوا في الكون أرادوا النفع المادي، هدفهم مادي، وصلوا إلى أهدافهم بأعلى درجة، ولكنَّهم ما عرفوا الله، لكن المؤمن إذ تأمل في الكون لا ليخترع اختراعاً ويسجله في دائرة حفظ المُلكية الأدبية، وليربح منه ألوف الملايين، لا، ولكن يتأمل في الكون ليتعَّرف إلى خالق الكون، لأنك إذا تعرَّفت إلى خالق الكون صرت إنساناً آخر، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾
[سورة طه: 123]
﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾.
[ سورة البقرة: 38]
فهل تريد أكثر من ذلك؟!!
 
 التدين فطري :
 
ألا يضل عقلك، ألا تشقى نفسك، وألا تندم على ما فات، وألا تخشى مما هو آت؟ هذه أعلى درجة بالسعادة النفسية، ألا يضل عقلك، وألا تشقى نفسك، وألا تندم على ما فات، وألا تخشى مما هو آت.
﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ﴾
[سورة طه: 123]
كم هناك من ضلالات في البشر؟ ملايين مُمَلينة - إن صح التعبير- تعبد البقر من دون الله، ملايين مُمَلْيَنَة تعبد آلهةً نُحِتَت من الحجرفي شرقِ آسيا، ضلالاتٌ وأوهامٌ، التدين فطري أيها الأخوة، قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾
[ سورة الروم: 30]
إقامة وجهك للدين حنيفاً هي الفطرة، أي أن نفسك مهما تحركتْ، مهما سعيت إلى السعادة لن تجدها إلا بالله، ربما لاح لك في أول الحياة أن المال هو كل شيء، ربما بدا لك أن المرأة هي كل شيء، ربما ظننت أن العلو في الأرض هو كل شيء، ولكن في منتصف مسيرتك في الحياة ترى أن المال شيءٌ وليس كل شيء، وأن اللذة شيءٌ وليست كل شيء، وأن العلو في الأرض شيءٌ وليس كل شيء، ولكن إذا اقتربت ساعة المُغادرة، المغادرة بلا عودة، إذا اقتربت ترى أن المال ليس شيئاً، وأن اللَّذة ليست شيئاً، فالبطولة أن ترى هذا في مقتبل حياتك، وإذا كانت هذه الرؤية لا بُدَّ منها في وقتٍ ما، فالبطولة أن تراها في وقت مناسب، أن تراها وأنت مقبلٌ على الدنيا، حتى تتعرف إلى الطريق الصحيح.
 
 تعاملنا مع الكون يجب أن يكون تعاملاً نفعياً وتعاملاً معرفياً :
 
إذاً ربنا سبحانه وتعالى جعل الكون مظهراً لأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، فحيثما وَرَدَ في القرآن ذِكْرُ الكون فالقصد الكبير أن تتأمل في الكون، لا من أجل أن تنتفع منه كشأن أهل الكفر، إذا تأمَّلت من أجل أن تنتفع منه فلا مانع إذا اقترن النفع مع الهدى، والذي يدل على ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما نظر إلى هلال، قال:
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ))
[ رواه أبو داود عن قتادة ]  
يا الله! أي أن هذا الهلال يرشدني إلى الله وينفعني في الدنيا، وقِس على الهلال كل شيء، ابنك الذي أمامك، خيرٌ لك ينفعك إذا شاء الله ذاك، وهو يرشدك إلى الله عزَّ وجل، كأس الماء، رغيف الخبز، الوردة التي خلقها الله إكراماً لك، تشم رائحتها، تنتعش برائحتها الفوَّاحة، وتدلُّك على الله.
ولكن أيها الأخوة الأكارم، أتمنى على الله أن تقنعوا أن الهدف الأول من خلق الكون هو أن تتعرف إلى الله عن طريق التفكر فيه والاعتبار منه، الهدف الثاني هو أن تستفيد منه، لو أن الإنسان استفاد من الكّون من دون أن يتعرف إلى الله عزَّ وجل، ماذا أقول لك، لا أستطيع أن أعبر لك عن فكرة دقيقة، لكني أقول: لو معك شيك بمليار، وأنت استخدمته كمسودة ثم مزَّقته، يا ترى هذه الورقة الصغيرة أيهما أشد قيمةً أن تأخذ ثمنها مليوناً أم أن تستخدمها كورقة مسودة ثم تمزِّقها؟ أنت حينما تنتفع بالكون ولا تتعرف إلى الله من خلاله فحالك كمن استخدم الشيك كمسودة، هذا النفع محدود في الدنيا، حتى ولو وصلت إلى القمر، لو غُصت في أعماق البحار، لو ملكت أعظم الأسلحة، لو تحكَّمت بالعالم كله، أليس هناك موت؟ سبحان من قهر عباده بالموت، أليس هناك نهاية؟ لا بد من نهاية، كل مخلوقٍ يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت.
 الليل مهمـا طـال               فلا بدَّ من طلوع الفجر
 والعمر مهما طـال               فلا بد مـن نزول القبر
*   *   *
إذاً هذا الكون نتعامل معه بنوعين من التعامل؛ تعامل نفعي، وتعامل مَعرفي، التعامل النفعي تنتفع به ما دُمت حياً ترزق، تنتفع به ما دام قلبك ينبض، تنتفع بطعامه، بشرابه، بحدائقه، بمبانيه، بمقاصفه، بجباله الخضراء، بسواحله الجميلة، تنتفع به، تنتفع بهذه المُخترعات، مركبة فارهة، يَخْت جميل، طائرة ضخمة، مقاصف جميلة، بساتين، قصور شاهقة، وسائل حديثة، تنتفع به كله، ولكن ماذا بعد الموت؟ هنا المشكلة، لو أن الحياة الدنيا هي كل شيء، لكان الذين انتفعوا بالكون هم أذكى الأشخاص، ولكن لأن الحياة الدنيا ظلٌ زائل، وعاريةٌ مستردة أمدها قصير، وشأنها حقير، فمن أقبل عليها إقبال النهم، من اتَّجه إليها اتجاه اللهفان، فوجئ بعد نهاية المطاف أنها ليست كل شيء، وأن الدار الآخرة لهي الحيوان، هي الحياة الحقيقة.
 
ثلاث طرقٍ سالكةٍ إلى الله عزَّ وجل طريق خلقه وطريق كلامه وطريق أفعاله :
 
ما قولك أن يقول الإنسان عند الموت:
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾
[ سورة الفجر: 24 ]
لي قريب ترك ثروةً طائلةً، قال لامرأته قبل أيام من موته: أقبلنا على التافِه وتركنا الثمين. متى عرف ذلك؟ بعد فوات الأوان، الثمين أن تعرف الله، الثمين أن تغتني حياتك بالعمل الصالح، يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبمَ تلقى الله إذاً، والله سؤال خطير وسؤال محرج، يا ربي، أنت إذا أوقفتني أمام خلقك، أنت إذا أوقفتني أمام هؤلاء المؤمنين الذي باعوا أنفسهم في سبيل الله، وسألتني: ماذا قَدَّمت؟ ماذا فعلت؟ ماذا تركت؟ كل شيءٍ تفعله للدنيا يبقى في الدنيا.
يا أيها الأخوة الأكارم، لماذا الإيمان؟ من أجل العمل، ولماذا العمل؟ من أجل السعادة، أنت لا تسعد إلا مع الله، والله لا يقبلك إلا بعملٍ صالح..
﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة النحل: 32]
ولن تعمل صالحاً إلا إذا آمنت به، وكيف تؤمن به؟ من فهمك لهذه الآيات التي بثَّها الله في الكون، إذاً يمكن أن تؤمن بالله من خلال خلقه، ويمكن أن تؤمن به من خلال أفعاله، آياته الكونية، أو آياته التكوينية، ويمكن أن تؤمن به من خلال كلامه، ثلاث طرقٍ سالكةٍ إلى الله عزَّ وجل، طريق خلقه، وطريق كلامه، وطريق أفعاله.
 
لا زال الفكر حتى الآن عاجزاً عن إدراك ذات الله تعالى :
 
ربنا عز وجل في آياته القرآنية حَدَّثَنَا عن آياته الكونية، قال:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
قبل أن نقول بالحق، نتوقف عند كلمتي (السماوات والأرض) أي أنك إنسان مكرم، أنت المخلوق الأول، أنت الإنسان الذي أعطاك الله قوةً إدراكية، فهذا كأس الماء لا يدرك، تشربه ولكنه لا يدرك، هذه الطاولة تستعملها ولكنها لا تدرك، الحيوان كذلك لا يدرك، هرةٌ صغيرة في بيتك مثلاً، كم تعرف من قضايا العالم؟ يا ترى هذه الأزمات الطاحنة بالعالم هل عندها علم بها؟ أطعمها قطعة لحمٍ رضيت وانتهى الأمر، هذه هي حالة الحيوان، خُلِقَ ليأكل ويشرب، المَلَك خلق ليسبِّح، لكنك أنت أيها الإنسان رُكِّبْتَ من عقلٍ وشهوة، فحينما أعطاك هذه القوة الإدراكية، فشيءٌ مؤلمٌ جداً أن تستخدم هذا الفكر البشري الذي يعدُّ أعقد ما في الكون فيما لا نفع فيه - أنا أعني ما أقول - إنه أعقد ما في الكون، رغم ذلك فلا زال هذا الفكر عاجزاً عن إدراك ذاته.
ثم إن هناك أسئلة كثيرة، اسألوا عنها الأطباء، لا يزال تحول الصوت مبهماً مجهولاً، أنت سمعت صوتاً، هذا الصوت تطرَب له، وذاك الصوت يكاد يخرجك من جلدك، فكلاهما ذبذبات، وكلاهما موجات، حتى الآن العلم عاجزٌ عن أن يدرك كيف تفرق الأذن بينالنغم وبين الضجيج؟ تدخل إلى شلالٍ، صوتٌ صاخب ولكنك تطرب له، تدخل إلى معملٍ تشعر كأن وخزاً في أذنك، هذا صوت وهذا صوت، العلم لا يزال يحبو، لا يزال كما قال بعض العلماء: " لم تبتل بعد أقدامنا ببحر العلم ".
كيف يتحول هذا الإحساس الكيميائي إلى ذَوْق؟ هذا الطعام طيب، هذه النكهة طيبة، حتى الآن ليس معروفاً، كيف تتذكر؟ فرضيَّات، مثلاً إن في ذاكرتك الشمية ثمانمئة رائحة، تشم هذه الرائحة، تفكر لعدة ثوان ثم تقول: هذه رائحة الياسمين، أو فيها يانسون، أو في هذه الرائحة مثلاً عنبر، من قال لك ذلك؟ قال بعض العلماء: إن هذه الرائحة التي شممتها قد عرضت على ثمانمئة رائحةٍ في أقل من لمح البصر، ثم أثناء العرض توافقت ما يشبهها، وهنا تقول: هذه ياسمين.
أحياناً تنظر إلى رجل قد رأيته قبل أربعين عاماً مرةً واحدة، تقول له: أنت فلان، فما هذه الذاكرة؟ كم تتسع؟ إلى صور، إلى مشمومات، إلى محسوسات، إلى مُدركات، سبعون مليار صورة، قال بعض العلماء: هو الحد الأدنى لذاكرة الإنسان، سبعون ملياراً، فهذه القوة الإدراكية هل سخرتها لتتعرف بها إلى الكون؟!!
 
البطولة أن تتعرف إلى الله من خلال الفكر :
 
هذا الفكر - لكي لا أخرج عن الموضوع - أليس من الجهل والعار أن تستخدمه لهدفٍ تافه؟ فإنسان يشتري كمبيوتراً، ثمنه خمسة وثلاثون مليوناً يستعمله طاولة يضع عليها جهاز الهاتف؟! لا، قد يقوم مقامه طاولة ثمنها خمسة آلاف أو أقل، خمسة وثلاثون مليوناً تجمِّدها من أجل أن تضع فوقها جهاز هاتف! هذا إنسان غير عاقل، يبدو أن هذا المثل صارخ وحاد، لا، الذي يستخدم فكره وهذه الطاقة الإدراكية الكبرى في كسب المال فقط، أو في الاحتيال على الناس، أو في الإيقاع بينهم، أو في السطو على أموال الناس، أو في السيطرة عليهم، من دون أن يستخدمه في معرفة الله، فو الله أنه مغبون، ألم يسمِّ الله يوم القيامة بيوم التغابن، ما هو يوم التغابن؟ الإنسان الذي قَصَّرَ في معرفة الله يشعر أنه مغبون، فالإنسان يومئذٍ يبكي ولو أجريت السفن في دموعه لجرت..
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي*فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ*وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
[ سورة الفجر: 24-26 ]
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِي* وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِي* يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ* مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي* هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِي* خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ* ﴾
[ سورة الحاقة: 25-33 ]
أي أن هذا الفكر لم يستخدمه في معرفة الله، استخدمه في كسب المال،في الإيقاع بين الناس، في الاحتيال، استخدمه في السيطرة على العالم، ليس هذا هو الذكاء، البطولة أن تتعرف إلى الله، لو ملكت العالم كله فالربح محدود، ولو كان العالم كله يأتمر بأمر رجلٍ واحد لا بد من أن يموت، ولا بد من أن يحاسب على كل دمعةٍ سالت لدى الشعوب المقهورة، وعلى كل قطرة دمٍ سالت من أجل كسب الأموال، والثروات، والسيطرة، لذلك المؤمن العاقل حينما يمتن الله عليه بالهداية، يرى أنه قد حصَّل شيئاً ما حصَّله أحدٌ من أهل الدنيا، ما قاله بعض الأئمة رضوان الله عليهم: " لو يعلم الملوك ما نحن فيه - والله لم يبالغ، لا والله - لو يعلم الملوك ما نحن فيه لقاتلونا عليه بالسيوف ".
 
الإنسانفي حياةٍ إعدادية لحياةٍ أبدية :
 
تتعرف إلى خالق الكون، وتهتدي بهداه، وتحقق الهدف الذي من أجله خُلِقت، وأنت في طريقك إلى الجنة، هذا هو المُلْك، قال تعالى:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾
[ سورة الإنسان: 20 ]
إذا فلان مساحة بيته ألفا متر، فما هذا الكلام، ليس من المعقول؟ ويقع وسط غابات مساحتها عشرة آلاف متر مربع، وله بكل مكان قصر جميل، وله يخت، ما هذا المُلك العظيم؟ ربنا العظيم قال:
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً ﴾
[ سورة الإنسان: 20 ]
فعندما تؤمن فلك عند الله ملكٌ كبير، الله عزَّ وجل خلقك لحياةٍ عُليا أبدية، وجاء بك إلى حياة دُنيا إعدادية، نحن في الإعداد، نحن في حياةٍ إعدادية لحياةٍ أبدية، فالشقي معه هذه السَنَد أو هذا الشيك، استعمله كورقة مسودة ومزقه، هذا الشيك بمليون أو بألف مليون بالعملة الصعبة، حينما يكتشف أن هذا شيك بألف مليون دولار، استخدمه مسودة ثم مزقه، يمكن أن يموت من القهر، هذه حالة الكافر يوم القيامة ولكن لا موت يومها، بل حسرات وعذاب..
﴿ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي*فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ*وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ ﴾
[ سورة الفجر: 24-26 ]
 
الكون من آيات الله الدالة على عظمته :
 
إذاً ما حجم الكون؟ هناك سؤال محرج: هل أنت موقن يقيناً يشبه يقينك بوجودك أن هذا كلام الله؟ إذا كنت كذلك فإن الله عزَّ وجل يقول:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية: 13 ]
إنني الآن أرجو الله أن أتمكن من أن أقرب لكم فكرة عن الكون، الكون في بعض التعاريف الحديثة فيه مليون ملْيون مجرة، درب التبَّانة هي مجرتنا، المجموعة الشمسية، التي هي الشمس وأحد عشر كوكباً منها الأرض، تبدو نقطة صغيرة على هذه المجرة، تصور شكلاً مغزلياً والمجموعة الشمسية بأكملها نقطة على هذه المجرة، المجموعة الشمسية طولها مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، ما معنى سنة ضوئية؟ أي أن الضوء يقطع في الثانية ثلاثمئة ألف كيلو متر، فالقمر مثلاً يبعد عنا ثانية ضوئية واحدة، أي أنه إذا صدرت أشعةٌ من القمر نراها في الأرض بعد ثانية، القمر بعده ثانية والشمس بعدها ثماني دقائق، الشمس بعدها عنا مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر، ضوءها يصلنا بعد ثماني دقائق فقط، المجموعة الشمسية كلها - أحد عشر نجماً - قطرها ثلاث عشرة ساعةً ضوئية، أما درب التبانة فطوله مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، المجرة أمرها مذهل، بعض المجرات المتوسطة فيها مليون ملْيون نجم، كل هذا الكون من أجلك بنص القرآن الكريم:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ ﴾
[ سورة الجاثية: 13 ]
أتحسب أنك جرمٌ صغير   وفيك انطوى العالم الأكبر
*    *    *
 
إعجاز الله في خلق الكون :
 
لا أريد أن أجعل الدرس درس علوم، لكن لا بُدَّ من ذلك، أقرب نجم ملتهب يبعد عن الأرض أربع سنوات ضوئية، أما المنطفئ، القمر وهو أقرب نجم يبعد ثانية ضوئية، أما الملتهب كالشمس فأربع سنوات ضوئية، الشمس ثماني دقائق، وعليك اليوم أن تجري حساباً بالآلة الحاسبة إن شئت، فهذا النجم الذي يبعد عنا أربع سنوات ضوئية، لو ضربت المسافات وحولتها إلى الكيلو مترات، وقسمتها على مئة بالساعة، وقسمتها على أربعٍ وعشرين ساعة باليوم، وقسمتها على ثلاثمئة وخمسة وستين يوماً بالسنة، من أجل أن تصل إليه بمركبة أرضية تحتاج إلى ما يقارب الخمسين مليون عام، هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلى الأرض، أربع سنوات ضوئية فقط، بمركبةٍ أرضية سرعتها مئة كيلو متر بالساعة، تحتاج إلى أن تصل إليه إلى ما يقارب من خمسين مليون عام، وكل عمر الإنسان ستين سنة، فكيف بنجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية؟ فكيف بمجرة المرأة المسلسلة مليون سنة ضوئية؟ فكيف ببعض المجرات ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية؟ اسمع قوله تعالى:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
[سورة الواقعة: 75-76]
فهل تعرف حجم الكون؟ هل تعرف معنى مليون ملْيون مجرة؟ هل تعرف أن المجرة فيها مليون ملْيون نجم؟ هذا خلق الله، والله سبحانه قال:
 
﴿ قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
[سورة يونس: 101]
كذلك، الله عز وجل قال:
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ﴾
[سورة يوسف: 105]
 
 الإيمان أن يجتمع في قلبك تعظيمٌ وحبٌ وخوف :
 
كثير من الناس غافلون، أكبر مرض هو الغفلة والأمل، غافل عن الله، متأمل في الدنيا، هذا مرض خطير، لذلك ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
هو الخالق، هل من خالقٍ غير الله؟ ما من إلهٍ إلا الله الواحد القهار، هذا الإله العظيم ألا يستحق أن تعبده؟ ألا يستحق أن تخافه؟ قال:
(( يا رب! أي عبادك أحب إليك حتى أحبه بحبك؟ قال: أحب عبادي إلي تقي القلب، نقي اليدين، لا يمشي إلى أحد بسوء، أحبني، وأحب من أحبني، وحببني إلى خلقك، قال: يا رب إنك تعلم إني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ قال: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي ))
[ من الدر المنثور عن ابن عباس]
أنا ذكرت هذا النص للفقرة الأخيرة منه: ذكرهم بآلائي ونعمائي وبلائي، الآلاء من أجل التعظيم، والنَعماء من أجل الحُب، والبلاء من أجل الخوف، فينبغي أن تعظِّمَهُ بقدر ما تحبه بقدر ما تخافه، الإيمان أن يجتمع في قلبك تعظيمٌ وحبٌ وخوف، من الأمراض الوبيلةالتي لا يحتملها الإنسان أحياناً، من الزلازل والبراكين، من الفيضانات، من الصواعق، من الرياح العاتية، من بأس الإنسان.
 
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
[سورةالأنعام: 65]
وتستمعون ماذا يجري في بعض البلاد من بأس شديدٍ يفعله الإنسان بأخيه الإنسان، أجل بأس شديد، فهذا البلاء من أجل أن تخافه، هناك أمراضٌ وبيلة، فهناك قهرٌ، هناك إذلالٌ، هناك فقرٌ، هناك فقرٌ مدقع.
 
العبادة الأولى هي التفكُّر في خلق السموات والأرض :
 
إذاً العبادة الأولى هي التفكُّر في خلق السموات والأرض.
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
وصلنا إلى كلمة (بالحق)، معنى بالحق: أي هذا الكون مبني على عِلم إلهي، هذا الكون إذا كان فيه مليون ملْيون مجرة، وبكل مجرة مليون ملْيون نجم أو أقل أو أكثر، تقريباً هذهالنجوم متفاوتة في الحجم، فشمسنا تكبر الأرض بمليون وثلاثمئة ألف مرة، أي أن مليون وثلاثمئة ألف أرض تدخل في جوف الشمس، وشمسنا نجمٌ ملتهبٌ متوسِّط، وهناك شموس تكبره بملايين المرات.
تصوَّر حجم الكواكب والنجوم، تصور عددها، تصور الفراغات فيما بينها، تصور ساحة مدرسة مساحتها تعدل خمسين متراً بخمسين متراً، فيها كرات صغيرة، فيها عشرين كرة ملقاة في هذه الساحة، هذا حجم الفراغ الكوني إلى الكواكب في الكون، فالأرض فيها فراغات بينية، لو دخلت - كما يقول العلماء - في ثقبٍ أسود لأصبحت بحجم البيضة، الأرض تتكون من خمس قارَّات، وأربعة أخماسها بحر، بحجمها الكبير، لو دخلت في ثقبٍ كونيٍ أسود لألغيت الفراغات البينية، وأصبحت في حجم البيضة، وبقي وزن الأرض نفسه، إذاً الكون بالمسافات بين الكواكب متجاذب تجاذباً حركياً..
 
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ*وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴾
[سورة الحاقة: 38-39]
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
[سورة الواقعة: 75-76]
بعدد مجرَّاته، بعدد نجوم المجرة الواحدة، بالفراغات بين المجرات، بالفراغات بين النجوم في المجرة الواحدة، بالفراغات بين الذرَّات، هذا الكون متجاذب تجاذباً حَرَكِيّاً.
 
قوة التجاذب في الكون من آيات الله الدالة على عظمته :
 
هل تستطيع ولو كنت من أعلم العلماء بالفيزياء أن تأتي بقطعتي مغناطيس متفاوتتين بالحجم، وأن تضعهما على سطحٍ صقيل، وأن تضع بينهما كرةً صقيلةً، بحيث يتكافأ جذب الكتلتين فتستقر في الوسط؟ لن تستطيع ذلك، لن تستطيع مهما جهدت، أن تجعل هذه الكرة الصقيلة على سطحٍ صقيل تستقر بين الكتلتين المغناطيسيتين، لو تحركت ميكروناً واحداً تنجذب إلى جهة أخرى، تصور كتلتين ليستا في حجمٍ واحد، معنى ذلك أنها تحتاج إلى حسابات أكثر، ولو كانت بحجوم مختلفة هناك حسابات أخرى، لو كانت خمس كتل وبأحجام مختلفة فالحساب أصعب وأصعب، لو كان بالفراغ، لو كان ملايين الملايين من الكتل فكلها متحركة، إن مستقرها صعب، فكيف وهي متحركة؟ ملايين الكتل كلها متجاذبة حركياً وكلها تتحرك في الفراغ، والمحصلة استقرار حركي، توازن حركي، هذه قوة التجاذب:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾
[ سورة الرعد: 2 ]
هل هناك أعمدة؟ قالوا: لو أن الأرض خرجت من جذب الشمس، وأردنا أن نعيدها إلى الشمس، كم نحتاج؟ قال: نحتاج إلى مليون ملْيون كبل من الفولاذ المضفور، قطر كل كبلٍ خمسة أمتار، وكل كبل يتحمل قوة شد تقدر بمليوني طن، أي أن الأرض مربوطة بقوة جذب للشمس تعادل مليوني طن ضرب مليون مليون، أي بألفي مليار طن الشمس تجذب الأرض، كل هذا الجذب من أجل أن تحرف الأرض في مسارها حول الشمس ثلاث ميليمترات في كل ثانية، في أثناء حركتها حول الشمس تنحرف ثلاثة ميليمترات في كل ثانية فتشكل مداراً مغلقاً حول الشمس وتدور، وهذا معنى قوله تعالى:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
[ سورة الطارق: 11]
كل كوكبٍ في الكون يدور ويرجع إلى مكان انطلاقه، لأن مساره مغلق.
 
معنى كلمة (بالحق) :
 
ربنا عزَّ وجل بكلمة واحدة وصف الكون كله، قال:
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الرجع ﴾
[ سورة الطارق: 11]
وإليك فيما يلي معنى (بالحق)، في أشياء كثيرة في موضوع المجرات، فأنا قد هيَّأت لكم بعض الحقائق، أولاً تصور أن الكون ليس متحركاً، ما معنى بالحق؟ لولا الذي هو عليه من الحركة لانتهى الكون، كلمة بالحق أي مبني على علم، لو أن الكون كَفَّ عن الحركة، ما دام هناك قوى تجاذب بين المجرات والنجوم، الأكبر يجذب الأصغر، إلى أن يصبح الكون كتلةً واحدة، نحن أين نصير؟ أرضنا ذرة وسط جسم لا يعلم إلا الله حجمه.
إذاً لولا الحركة، لأن الحركة ينشأ عنها قوة نابذة، هذه القوى النابذة تكافئ القوى الجاذبة، توازن حركي، فإذا أمسك أحد ما وعاء ماء وأداره، فالماء لا يندلق، حينما صار الوعاء في الأعلى تحت الماء فارغ، لماذا بقي الماء في قعر الوعاء؟ شيء عجيب!! لا، ليس عجيباً لأنه حين الدوران تنشأ قوى نابذة، فلولا حركة الكون لأصبح الكون كتلةً واحدة، فما معنى بالحق؟ أي أن الكون خلق وفق علم، علم دقيق.
الأغرب من ذلك، إن الأرض مثلاً في دورتها حول الشمس، سرعتها متبدلة بحسب مكانها في مسارها، فمسار الأرض حول الشمس إهليلجي - ليس دائرياً - معنى ذلك أن هناك قطراً أعظمياً وقطراً أصغرياً، حينما تقترب الأرض من القطر الأصغري تزيد سرعتها، لئلا تنجذب إلى الشمس، ولو أنها زادت من سرعتها فجأةً واحدة لقيل: هنا كانت مدينة اسمها باريس، لو أن الأرض رفعت سرعتها فجأةً لانهدم كل ما عليها، لما بقيت عليها مدينة ولا قرية، ولكن الله لطيف، يزيد سرعتها شيئاً فشيئاً، بالتدريج، وهذا ما يسمونه بالتسارع، تسارعها بطئ، وحينما تخرج من دائرة قطرها الأصغر، تعود إلى سرعتها البطيئة أيضاً بالتدريج.
فما معنى بالحق؟ أي وفق علم، هذا علم اللهعزَّ وجل، هذا الذي سمَّاه الفلاسفة العقل الأول، تصميم رائع.
 
خلق الله عز وجل الأرض وما يتعلق بها بالحق أي وفق العلم :
 
هذه الأرض تستمد الحرارة والضوء من الشمس، لو أنها لا تدور حول نفسها، لانتهت الحياة من على سطحها، هذا الوجه مقداره ثلاثمئة وخمسون درجة، وهذا الوجه مئتان وسبعون درجة تحت الصفر، ولكنها حين تدور، فبهذا الدوران يصبح جوُّها معتدلاً، لو أنها توقفت عن الدوران لانتهت الحياة..
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
أي وفق علم، فلو دارت على محورٍ موازٍ لسطح دورانها حول الشمس - مستوي دورانها - دارت هكذا يميناً مثلاً والشمس من هنا، كأنها واقفة، لو أنها دارت هكذا، والشمس من هنا، نصفها الأول مع الشمس دائماً وأبداً، ونصفها الآخر من دون شمسٍ دائماً وأبداً كأنها واقفة، من الذي صممها أن تدور بمحورٍ ليس قائماً تماماً، مائلاً على مستوي دورانها؟ هو الله عزَّ وجل.
إذاً لو أيقنت أن الأرض لو كفت عن الدوران لانتهت الحياة،ولو أنها دارت على محورٍ موازٍ لمستوي دورانها حول الشمس لانتهت الحياة، ولو أنها دارت على محور قائمٍ مع مستوي دورانها لانتهت الحياة، ولانعدمت الفصول، هذه المنطقة صيف إلى أبد الآبدين، وهذه شتاء إلى أبد الآبدين، النبات يحتاج إلى حرارة وبرودة، وإلى طقس متبدل ورياح، أما ميل محورها جعل هذه المنطقة في الأرض تتعرض لأشعة الشمس وتكون عليها عمودية، هنا مائلة، هنا صيف، هنا شتاء، فلمَّا وصلت الأرض إلى هذه الجهة، الآية انعكست، عمودية في الجنوب مائلة في الشمال، إذاً دورتها حول محورٍ ليس موازٍ لمستوي دورانها (بالحق)، ودورتها حول محورٍ مائلٍ كذلك (بالحق).
حجمها (بالحق)، لو كان حجمها أكبر لكان الإنسان وزنه أكبر، فالإنسان على القمر، فالذي شاهد الإنسان على القمر بصور متحركة، رأى كيف أن رائد الفضاء لما ضغط ضغطة على قدمه ارتفع مترين، لأن وزن الإنسان على سطح القمر سدس وزنه على الأرض، كلما كبر الحجم زادت الجاذبية، فمن خلق الجاذبية؟
﴿ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً ﴾
[ سورة النمل: 61 ]
من جعل الأشياء تنجذب إلى الأرض؟ الله عز وجل.
 
الماء أيضاً من آيات الله الدالة على عظمته :
 
إذاً:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
معنى بالحق وفق العلم، معنى بالحق وفق الحكمة، بحكمةٍ ما بعدها حكمة، هل تصدق أن بالماء ظاهرة واحدة لو انعدمت لانعدمت الحياة؟ الماء شأنه كشأن أي عنصر يتمدد بالحرارة وينكمش بالبرودة، كأي عنصر، إلا أن الماء يتميِّز بأنك إذا بَرَّدته إلى درجة ( +4 ) تنعكس الآية، يزداد حجمه مع تبريده تحت هذه الدرجة، فمن يصدق أن حياة الأحياء متوقفةٌ على هذه الخاصَّة؟
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
فلو قلنا: أن الماء كلما برَّدناه أو برد انكمش، لارتفعت كثافته، وإذا ارتفعت كثافته غاص في أعماق البحار، فمثلاً قطعة الثلج، لو زادت كثافتها لغاصت في أعماق الماء وعليه فالبحار المتجمدة كلما تجمد سطحها غاصت إلى أسفلها، بعد حين بناءً على ما سبق تصبح البحار كلها متجمِّدة، وبعد حين ينعدم هطول الأمطار، فينعدم النبات، فينعدم الحيوان، فينعدم الإنسان، هذه الحياة أساسها خاصَّة موجودة في الماء، لا تزال تحيِّر العلماء.
فهذا الماء إذا أرادأن يتمدد لا شيء يقف في وجهه، الآن أحدث عملية في تفتيت الصخور هي حقنها بماء ثم تبريد الماء، صخر من أقسى العناصر، الماء إذا تمدد يفلق الصخر كما يقولون، من أعطى الماء هذه الخاصة؟الماء لا يُضغط، ثمانمئة طن بمكبس على متر مكعب ماء لم ينضغط ولا ميلي، الماء لا يضغط وإذا تمدد لا شيء يقف في وجهه هذا معنى:
﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾
[ سورة الطارق: 11-13 ]
ما الذي صَدَّعها؟ تجمُّد الماء، ما الذي قلب الأرض من صخور إلى تربة؟ تجمد الماء:
﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ*وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ*إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾
[ سورة الطارق: 11-13 ]
 
بعضمن دلالات معنى (بالحق) :
 
إذاً هناك أشياء بالكون مذهلة أيها الأخوة، هذا معنى بالحق؛ أيبالحكمة. حدثني أخ من مدة قال لي: كنا بفنلندا وكانت درجة الحرارة أربعين تحت الصفر، قلت له: هناك آية كونية، هل انتبهت لها؟ قال: لا، لم انتبه لها. قلت له: أنت بهذه المنطقة الباردة ممكن تضع قفَّازات في يديك صوف أو جلد، وممكن أن تغطي رأسك بقطعة من الصوف، ويمكن أن تضع على رأسك شيئاً يقيك البرد، ويمكن أن ترتدي ألبسة قدم سميكة جداً، قال لي: هذا صحيح. قلت له: هل بإمكانك أن تغطي عينيك من أجل ألا يصيبهما البرد؟ قال: لا. قلت: فلمَ لم يجمد ماء العينين في درجة تحت الصفر؟ ثم قلت: الله عزَّ وجل أودع في ماء العين مادةً مضادةً للتجمُّد، وهذه من دلالات معنى بالحق، أنت مخلوق بالحق.
أي أن خلقك أساسه على علم، أساسه فيه حكمة،أساسه فيه رحمة، أساسه فيه لُطف، أبرع طبيب أسنان هل يتمكن من قلع سن لطفل دون أن يبكيه؟ يقول لك: أخدِّره بالبنج؟! لكنه يصرخ صوت عند وخز الإبرة لأنها أصعب من قلع الضرس، أما ربنا لطيف إذا أراد أن يبدل أسنان الطفل، تجد الطفل وهو لا يشعر رأى قطعة قاسية مع الطعام، ما هذه؟ سني، كيف هذه السن سقطت من جذرها بالتدريج دون أن يشعر الطفل، الله عز وجل لطيف.
المطر فيه لطف، لو كانت كل بَرَدَة تزن خمسة كيلوات، لما بقي على الأرض أي شيء سليماً، البرد حجمه صغير، المطر حجمه لطيف، فكل شيء بلطف الله عزَّ وجل، وكلٌ برحمة الله عز وجل وتدبيره.
عثروا بقمة جبل بأعلى جبال بالهند، على نبع ماء، ليس لهذه الظاهرة في الفيزياء تفسير إلا أن يكون لهذا النبع مستودع في جبل أعلى منه لأن بعض الوحوش تعيش في قمم الجبال، فهناك رحمة من الله سبحانه وعلم وحكمة ولطف، هذه ظاهرها تفسرها (بالحق )، أي أن كل أسمائه الحُسنى داخلةٌ في خلقه.
 
الكون أوسع بابٍ لمعرفة الله وأقصر طريقٍ إليه :
 
قال تعالى:
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ﴾
كلمة الحق اسمحوا لي أنا أشعر أن كلمة (بالحق) تعني وفق العلم، وأنها وفق الحكمة، وأن هذه السماوات والأرض خلقت لهدفٍ كبير ليس فيها عَبَث، مأخوذٌ هذا من قوله تعالى:
﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ﴾
[ سورة الأنبياء: 16 ]
اللعب شيء مخالف للجد، اللعب هو الشيء العابث، عمل بلا هدف، تجد إنساناً يلعب لعبة، لا فائدة من ورائها، يفضي خمس ساعات ويقول بعدها: والله غلبتك مرتين. فماذا أفاد منها؟ عمل غير جاد، عمل عابث، ليس وراءه هدف، لكن بالحق خلاف اللعب، بالحق خلاف الباطل، أي أنها خلقت لتبقى ولهدفٍ كبير، إذاً كلمة بالحق تعني الكون مخلوق وفق علم، ووفق رحمة، ووفق حكمة، ووفق لطف، ووفق قوة، ولهدفٍ كبير، وبعيداً عن الزوال.
     
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ﴾
وبعد فهناك أشياء في الكون والله أيها الأخوة ساعاتٌ طويلةٌ، وأشهرٌ عديدة، وسنواتٌ مديدة، لا تكفي للحديث عن عظمة الله من خلال الكون، كتابٌ مفتوح، اسمعوا مني هذه الكلمة: الكون أيها الأخوة أوسع بابٍ لمعرفة الله وأقصر طريقٍ إليه، أوسع باب وأقصر طريق:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
[ سورة آل عمران: 190-191 ]
 
 خشية الله تعالى تحملنا على طاعته :
 
ربنا عزَّ وجل قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
[ سورة فصلت: 53 ]
       وربنا عزَّ وجل قال:
     
﴿  خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ *خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾
لا إله إلا هو إلى أين تمشون؟ فأنى تصرفون، وإن شاء الله في درسٍ قادم نتابع هذه الآيات، لكن الذي أرجوه من الله عزَّ وجل أن يعمل أحدكم فكره في الكون وهو يأكل مثلاً ويطرح على نفسه آلاف الأسئلة، وكذلك عندما يشرب كأس الماء، فاللتر ببعض البلاد النفطية يكلف ستة ريالات تحلية، ستة ضرب ثلاث عشرة ليرة، حوالي مئة ليرة تقريباً، مئة ليرة ثمن تحلية لترٍ من الماء، كأس الماء من جعله حلواً عذباً فراتاً، ذلكم الله رب العالمين، يمكن أن تأخذ العبرة من كأس الماء، من خصائص الماء، من الهواء اللطيف، فالهواء لا يحجب الرؤية ولكنه يحمل طائرة وزنها ثلاثمئة وخمسون طناً، الهواء شيء عظيم إذا تحرك وزادت سرعته على مئتي كيلو متر بالساعة صار إعصار، لا يذر شيئاً أمامه، الهواء لطيف، والماء لطيف، تفكر في الطعام والشراب، في ابنك، في خلقك، فأنت محاط بآيات، إذا تأملت بها عرفت من خلالها عظمة الله عزَّ وجل، فإن هذه الخشية حملتك على طاعته..
﴿  كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
[ سورة فاطر: 28 ]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب