سورة المائدة 005 - الدرس (49): تفسير الآيات (119 - 120) الرضا والصدق في القول والفعل

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (49): تفسير الآيات (119 - 120) الرضا والصدق في القول والفعل

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (119 - 120) - الرضا والصدق في القول والفعل

21/03/2011 06:12:00

سورة المائدة (005)
الدرس(49)
تفسير الآيات: (119 – 120)
الرضا والصدق في القول والفعل
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
الحمد لله رب العالمين
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
يستحيل أن يصطفي الله رسولاً ليدل عليه ثم يدّعي الألوهية :
 
أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس التاسع والأربعين من دروس سورة المائدة وهو الدرس الأخير إن شاء الله تعالى، ومع الآية التاسعة عشرة بعد المئة وهي قوله تعالى:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
حينما سأل الله سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:
﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ﴾.
أي لا يمكن أن تصطفي يا رب رسولاً ليدل عليك ثم يدعي الألوهية:
﴿ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾.
لكن الذي قلته لهم:
﴿ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾
ثم إنك أنت العزيز القدير، العزيز الحكيم، مالك الملك لا أحد يسألك عما تفعل:
 
﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
 
الآخرة ليست دار تكليف لذلك الصدق فيها لا ينفع :
 
أيها الأخوة، قال الله عز وجل:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾
سيدنا المسيح كان صادقاً، وهو حجة على من أدعى أنه إله:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾
الذي قال لهم:
﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾
[ سورة المائدة: 72 ]
صدقُه نجاه يوم القيامة، لكن ما كل صدق ينفع صاحبه، لما سئل إبليس يوم القيامة:
﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
[ سورة إبراهيم: 22 ]
هذا صدق، هذا كلام صحيح، لكن الآخرة ليست دار تكليف، لذلك الصدق فيها لا ينفع.
 
الصدق الذي ينفع صاحبه يوم القيامة هو ما كان في الدنيا في دار التكليف :
 
فرعون كان صادقاً حين جاءه الموت، قال:
﴿ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة يونس: 90 ]
لا ينفع الصدق إلا في الدنيا، هذا الصدق في الدنيا ينفع صاحبه يوم القيامة، أما أن تعترف يوم القيامة بأنه لا إله إلا الله، وأن الجنة حق، والنار حق، هذا الإيمان أصبح محسوساً، ولا أجر لك في الإيمان به.
﴿ فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾
[ سورة ق: 22 ]
إذاً ما كل صدق ينفع صاحبه، الصدق الذي ينفع صاحبه ما كان في الدنيا في دار التكليف، يوم تكون صادقاً، يوم تصدق مع الناس، يوم تصدق مع الله، يوم تعبر عن الحقيقة الحقيقية في الدنيا، يوم تنصح الناس لله ورسوله ولكتابه ولدينه، هذا الصدق في الدنيا ينفعك يوم القيامة، أما حينما قال فرعون:
﴿ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة يونس: 90 ]
قال له الله:
﴿ آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾
[ سورة يونس: 91 ]
 
خيارنا مع الإيمان خيار وقت وليس خيار قبول أو رفض :
 
هذا الكلام أيها الأخوة ينقلنا إلى حقيقة دقيقة جداً، وهي أن الإنسان مخير، وخياره في ملايين الموضوعات خيار قبول أو رفض، تعرض عليك تجارة فترفضها، أرباحها قليلة، ومتاعبها كثيرة، تعرض عليك فتاة لا ترضى أخلاقها، فترفض الزواج منها، تعرض عليك سفرة ترى المشقة عالية، والدخل قليل، فأنت مخير خيار قبول أو رفض، إلا أنه إذا عرض عليك الإيمان فأنت مخير خيار وقت، إما أن تؤمن الآن فتنتفع من إيمانك، أو أنك سوف تؤمن لكن لا تنتفع من إيمانك، لذلك أكفر كفار الأرض فرعون الذي قال:
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾
[ سورة النازعات: 24]
﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾
[ سورة القصص: 38 ]
يوم جاءه الموت قال:
﴿ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
[ سورة يونس: 90 ]
 
الحقائقُ التي جاء بها الأنبياء لا بد من أن يؤمن بها الناس قاطبةً لكن بعد فوات الأوان:
 
إذاً الحقائقُ التي جاء بها الأنبياء لا بد من أن يؤمن بها أهل الأرض قاطبةً إيماناً شهودياً، لكن بعد فوات الأوان، وهذا الإيمان لا ينتفعون به إطلاقاً.
بالضبط كما ولو دخلت إلى امتحان، ولم تستطع أن تكتب كلمة واحدة، لأنك لم تدرس، عدت إلى البيت، فتحت الكتاب، وقرأت الإجابة، وأصبحت تفهمها، هل لك أن تعود إلى الامتحان، وتقول: اسمحوا لي أن أقدم ورقة ثانية، نقول له: لا، الآن علمت الإجابة الصحيحة، لكن علمتها بعد فوات الأوان، انتهى الآن. فلذلك إبليس كان صادقاً حينما قال:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ﴾
[ سورة إبراهيم: 22 ]
كان صادقاً، ولكن هذا الصدق لأنه جاء في دار الجزاء فلا قيمة له، ينبغي أن يكون في دار التكليف، حينما كلفت أن تكون صادقاً فصدقت تنتفع بصدقك، وحينما كلفت أن تكون صادقاً فكذبت، هذا الكذب تدفع جريرته وتبعته يوم القيامة، ولو كشفت له الحقيقة، ولكن بعد فوات الأوان.
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾
 
الصدق في الأقوال والأفعال أكبر صفة من صفات المؤمنين :
 
أبرز صفة في المؤمن أنه صادق، صادق مع نفسه، وصادق مع من حوله، وصادق مع ربه، صادق في أفعاله تأتي مطابقة لأقواله، وصادق في أقواله تأتي مطابقة لحاله، هناك صدق الأقوال، وصدق الأفعال، قد يقول إنسان لأمه: أنا حينما أتزوج سأكون باراً بك، يأتي فعله بعد الزواج بعكس ما قال، نقول: يكذب بفعله، وقد تقول مقولة ليست صحيحة، هذا كذب الأقوال، على كلٍّ الصدق في الأقوال، وفي الأفعال أكبر صفة من صفات المؤمنين:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ ﴾
الآن الأقوياء حينما يطرحون فكراً معيناً عدد لا يعد ولا يحصى من المنافقين والمنتفعين يلهجون بهذه الأقوال ويرددونها، ويعبرون عن إيمانهم بها، وهم كاذبون، لم يكونوا صادقين، إذا تكلم الإنسان بخلاف الحق، وتكلم بخلاف ما يقتنع ضيع الناس.
إنسان له مكانة، الإنسان لو تكلم بكلام ليس مقتنعاً به إرضاءً لقوي هذا الذي يتعلم منه يصدقه، معنى ذلك أنه ضيع معالم الحق، لذلك ورد في بعض الأحاديث:
 (( إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ))
[أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي وأبو يعلى والبيهقي من حديث أنس]
جاءك ضيف، وفي أثناء الحديث معك بيّن لك أنه من حين لآخر يشرب الخمر، ولا يصلي، وبعدما ذهب قلت لأهلك: هذا شخص محترم، لبق، ذكي، متفوق، يحمل شهادة عليا، وابنك سمع منه أنه لا يصلي، ويشرب الخمر، أنت حينما مدحته ضيعت ابنك، أوقعته في اضطراب، إذاً لا شيء على الإنسان لو شرب الخمر، ولو ترك الصلاة:
(( إن الله ليغضب إذا مدح الفاسق ))
[أخرجه ابن أبي الدنيا وابن عدي وأبو يعلى والبيهقي من حديث أنس]
قد لا تستطيع أن تذمه، وأنت معذور، لكن لا ينبغي أن تمدحه، يقبل الله منك إذا كنت ضعيفاً ألاّ تذمه لأنك لا تستطيع أن تواجه بطشه، لكن لمَ تمدحه، ولست مكلفاً بذلك؟ كلمة الصدق ضرورية جداً، لأن معظم المترفين والأقوياء يطرحون كلاماً ليس صحيحاً، وكل من يردد هذا الكلام، ويوهم من حوله أنه مقتنع به فهو كاذب، وهذا الكذب إذا استشرى في الأمة أصبح مجتمع الكذب، مجتمع النفاق، فلذلك لا يمكن لمؤمن أن يكذب.
 
في عصور التخلف الإسلاميلا بد من ثبات الأخلاق :
 
مرةً وجهاء قوم يمدحون من استخلفه بعض الخلفاء ليكون خليفة بعده، فكل من في المجلس أثنى ومدح هذا الذي استخلفه الخليفة، كان أحد التابعين جالساً، وبقي صامتاً، صمته أربك المجلس، قال: يا فلان تكلم، قال: والله أخاف الله إن كذبت، وأخافكم إن صدقت، فكان تلميحاً أبلغ من تصريح. لا تكذب، لا أحد يستطيع أن يحملك على أن تكذب، لا تكذب، ابقَ ساكتاً:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾
أقول هذا الكلام لأنه في عصور التخلف الإسلامي يحل الكذب محل الصدق، يُكذَّب الصادق، ويُصدَّق الكاذب، يؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، في مثل هذا الوقت ينبغي أن تكون صادقاً، وألاّ تقول: هناك ضغوط علي، لا بد من ثبات الأخلاق:
﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
رضي الله عنهم واضحة، أنت حينما تؤمن بالله الإيمان الصحيح، وحينما تستقيم على أمره، وحينما تنصح عباده، وحينما تقدم لهم كل خير ابتغاء مرضاته، وحينما تكون أداة خير، أداة أمن، حينما لا يتقيك الناس مخافة شرك، حينما تكون كذلك تستحق رضاء الله عز وجل، ولكن كيف ترضى عن الله؟
كان أحدهم يطوف حول الكعبة ويقول: يا رب، هل أنت راضٍ عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، قال: يا هذا، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: سبحان الله! من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا محمد بن إدريس، قال: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الإمام الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عنه.
 
إذا كنت راضياً عن الله رضي الله عنك :
 
حينما ترضى أن يكون دخلك محدوداً وتصبر، ولا تضجر، ولا تحقد، ولا تهمل عملك، تجد معلماً لا يدرِّس، يقول لك: المعاش قليل، إما أن تدرس بإخلاص أو أن تستقيل، أما أن تغش المسلمين بحجة أن الدخل قليل فهذا عند المؤمنين مرفوض أبداً، فترضى عن الله إذا كان دخلك بسيطاً، قليلاً، أو محدوداً، وترضى عن الله إن لم تكن زوجتك كما تتمنى، وترضى عن الله إذا كان في الجسم بعض العلل، وترضى عن الله إن زوي عنك شيء في الدنيا، لذلك علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ:
(( اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ ))
[الترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ]
هو رابح في الحالتين، إنسان كان يتمنى شيئاً فزوي عنه، الفراغ الناتج من انشغاله من هذا الشيء: يا رب، اجعله في طاعتك.
مرة قال لي أخ: ما الحكمة من أن تكون الزوجة سيئة؟ أردت أن أداعبه، قلت له: حتى نراك في المسجد. أحياناً يتزوج الإنسان وينسى الجميع، ينسى كل شيء، لازمها، وسبح بحمدها، وانتهى كإنسان، الزوجة الوسط نعمة، فإذاً يجب أن ترضى عن الله، أن ترضى عن الله في زوجتك، وفي أولادك، وفي دخلك، وفي صحتك، وفي مكانتك، وفي مرتبتك، أحياناً أنت من أب فقير، وأنت اسمك عصامي، تجد إنساناً ابن شخص مترف، تتألم، تقول: لو كان أبي كهذا الإنسان لكنت في بحبوحة، ومركبات، وسيارات، وبيوت.
(( فَلاَ تَقُلْ: لَوْ أَني فَعَلْتُ كَذَا كانَ كَذَا وَكَذَا، وَ لَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَما شاء فَعَلَ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ ))
[ رواه مسلم عن أبي هُريرة رضي اللّه عنه ]
 ينبغي أن ترضى عن أمك وأبيك، لأنك منهما، ولست مخيراً في ذلك، وأن ترضى عن البلدة التي ولدت فيها، وأن ترضى عن كونك ذكراً أو كونك أنثى، الله اختار لهذا المخلوق أن يكون أنثى، وأن ترضى عن الزمن الذي ولدت فيه، نحن ولدنا في زمن ضعف المسلمين، نحن ما رأينا قوة المسلمين، ما رأينا عزهم أبداً، كل الأخبار تأتي بخلاف طموحنا، هكذا أراد الله أن نكون في زمن ضعف المسلمين، فيجب أن ترضى عن الله في زمن ولادتك، وفي مكان ولادتك، وفي كونك ذكراً أو أنثى، وأن ترضى عن الله في دخلك، وفي صحتك، وفي زوجتك، وفي أولادك، فإذا كنت راضياً عن الله رضي الله عنك، معنى ذلك أنك تعرفه، وتعرف حكمته، وتعرف محبته لك، وتعرف أنه أعطاك العطاء المناسب لك:
((إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك)).
[ابن عساكر عن أنس]
 
الرضا الحقيقي يوم القيامة حينما ترى مكانك في الجنة :
 
أمثلة كثيرة جداً؛ على الغنى ترك الصلاة، على الغنى عاشت معه زوجته ثلاثين سنة، وكان فقيراً، فلما اغتنى طلقها، وتزوج شابة، منتهى اللؤم، رضيت بك فقيراً، ووقفت معك طوال الحياة، فإذا قوي مركزك، وزاد مالك لم تعد تعجبك، تريد شابة بسن بناتك، لا تريدها زوجة، تطلقها، وتقول لها: هذا الحاضر، وهذا مهرك، ألفا ليرة، خذيه وامشي منتهى اللؤم، لذلك:
(( إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح له إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك. ))
[ابن عساكر عن أنس]
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
لكن الرضا الحقيقي يوم القيامة، حينما ترى مكانك في الجنة، حينما ترى حياةً أبدية لا نغص فيها، ولا نصب، ولا تعب، ولا حقد، ولا فقر، ولا مرض، ولا زوجة سيئة، ولا ولد عاق، ولا ظروف صعبة، ولا قهر، حينما لا ترى شيئاً يزعجك.
﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ ﴾
[ سورة الحجر: 46]
عند ذلك ترضى عن الله، والله عز وجل يقول:
﴿ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴾
[ سورة الضحى: 4]
ينصحك الله عز وجل:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
[ سورة التوبة: 38]
إلهنا وربنا ومولانا يقول:
﴿ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾
[ سورة التوبة: 38]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص: 61]
 
الرضا في الدنيا هو مقام المؤمنين :
 
أيها الأخوة:
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
يجب أن ترضى عن الله في كل شيء، في السراء راض، في الضراء راض، في الصحة راض، في المرض راض، في إقبال الدنيا راضٍ، في إدبار الدنيا راضٍ، هذا الرضا في الدنيا هو مقام المؤمنين، راضٍ عن الله:
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾
هناك إنسان ساخط، كل شيء يسخط عليه، يسخط عن دخله، وعن عمله، وعن وظيفته، حاقد، متبرم، ليس هذا من صفات المؤمن، المؤمن راضٍ عن الله.
لكن هناك معنى أخاف أن تفهموه، كسول جداً، غير متقن بعمله، يرجئ، دخله قليل، فقير معدم، أولاده يتضورون جوعاً، هو راضٍ عن الله، ما قصدت هذا المعنى أبداً، هذا المعنى مرفوض. أما حينما تبذل كل ما تستطيع، وتبلغ هذا المستوى، الآن ارضَ عن الله، أما إذا كان هناك مجال لتعمل، وتحسن وضعك، وتحسن عملك، وتحسن دخلك، وتربي أولادك، أن تطعمهم الطعام الجيد، أن تلبسهم الكساء الجيد، أن تدخل الفرحة على قلوبهم، أن تكرمهم، كسول، ومهمل، ومرجئ، ودخله قليل، وحوله أناس جائعون، وهو راضٍ عن الله، هذا جزاء التقصير وليس قضاءً وقدراً، لذلك هناك فقر الكسل، وهناك فقر القدر، وهناك الفقر المحمود فقر الإنفاق.
 
الله تعالى جاء بنا إلى الدنيا ورزقنا عملاً صالحاً هو ثمن الجنة :
 
ثم إن الله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ ﴾
 [سورة الزمر: 74 ]
كنا في الدنيا، وقد وعدنا بالجنة، نحن في الجنة، وصدقنا الله وعده.
﴿ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾
 [سورة الزمر: 74 ]
أضرب مثلاً للتقريب: طبيب دخله كبير جداً، مر أمام جامعته فتذكر سبع سنوات أمضاها في دراسة متعبة، وفي قلق، وفي سهر، وفي عكوف على الكتاب، وترك لقاءاته مع أصدقائه، وترك نزهاته، وترك كل المناسبات الاجتماعية، وتقشف حتى نال هذه الدكتوراه، الآن يأتيه خيرها، يقول لك: ثمانون مريضاً جالسون في العيادة، وكل واحد ألف ليرة، كل يوم بثمانين ألفاً، لولا هذه الجامعة التي درست وتعبت ما كنت في هذه الحالة الرضية، هذا للتقريب طبعاً.
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ﴾
 [سورة الزمر: 74 ]
جئنا إلى الدنيا، ورزقنا عملاً صالحاً هو ثمن الجنة. الآن:
﴿ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
 [سورة الزمر: 74 ]
هناك أشخاص كثر مركزهم قوي، درسوا دراسة عالية جداً، يعتمد عليهم في مراكز حساسة، مكانتهم عالية، وكرامتهم عالية، ولا أحد يستطيع أن ينال منه أبداً، نظير تعبه في الجامعة، ودراسته المتأنية، وتفوقه في الدراسة، وما قدم لأمته من خدمات، الكل يحترمه، فهذه المكانة العلية سببها ذاك الجهد الكبير:
﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ﴾
 [سورة الزمر: 74 ]
 
الملكية المطلقة لله عز وجل مالك كل شيء :
 
ثم يقول الله عز وجل:
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
الملكية المطلقة لله، الله عز وجل مالك كل شيء، ومالك من يملك شيئاً، مالك ومالك المالكين، لكن في الدنيا سمح لعباده لأنهم مخيرون ومستخلفون في الأرض سمح لهم أن يملكوا شيئاً، فهذا يملك بيوتاً كثيرة جداً، وهذا يملك الغذاء، وهذا يملك الصناعة، وذاك التجارة، وهذا الزراعة، وهذا السلطة، وهذا وزير، وهذا محافظ، هؤلاء ملكوا ملكاً جزئياً في الدنيا، لكنهم في قبضة الله، وقلوبهم: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
(( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ ))
[مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ]
لكن في الدنيا مالكون كثر، أصحاب شركات عملاقة، أصحاب أموال كبيرة جداً، أصحاب مراكز حساسة، أصحاب سلطة، في الدنيا مالكون، لكن الله عز وجل في الدنيا مالك كل شيء، ومالك من يملك شيئاً، مالك الملوك، وقد ورد في بعض الآثار القدسية:
 ((  أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخطة والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاكم بصلاحهم ))
[ورد في الأثر]
 
لا تناصر في الآخرة بل يأتي الناس فرادى :
 
لكن يوم القيامة ليس إلا مالك واحد هو الله، الذين يملكون بعض الأشياء في الدنيا، أو بعض الصلاحيات، أو بعض المراكز يتناصرون، ترون لما أرادت دولة أن تعتدي على دول، دول كثيرة ناصرتها، يقول الله عز وجل يوم القيامة:
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾
 [سورة الصافات: 25 ]
لا تناصر.
﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ﴾
 [سورة الأنعام: 94]
الآن هناك شخص في الدنيا يحرك أضخم جيش، يعطي أمراً بالقصف، إذاً هو أمة، ودولة، وجيش، وسلطة، وسياسة، أما في الآخرة:
﴿ جِئْتُمُونَا فُرَادَى ﴾
 [سورة الأنعام: 94]
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾
 [سورة الصافات: 25 ]
قد تقع عين الأم على ابنها، تقول: يا ولدي، جعلت لك صدري سقاء، وبطني وعاء، وحجري غطاء، فهل من حسنة يعود علي خيرها اليوم؟ قال: ليتني أستطيع ذلك يا أماه، إنما أشكو مما أنت منه تشكين:
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ ﴾
 [سورة الصافات: 25 ]
 
الله عز وجل مالك كل شيء خلقاً وتصرفاً ومصيراً :
 
الله عز وجل يملك كل شيء، لكن مالك كل شيء سمح للعباد أن يمتلكوا أشياء، مع أنه سمح لهم أن يتملكوا فهو مالكهم لأن قلوبهم بيده، ومن قدرته أن ينهيهم، وأن يبطش بهم.
﴿ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ﴾
 [سورة البروج: 12 ]
هذا الشخص الثاني في الدولة العباسية في عهد هارون الرشيد؛ البرمكي الشخص الثاني، أمره نافذ بالمملكة كلها، فجأة رأى نفسه في السجن، فقال: لعل دعوة مظلوم أصابتنا، الله أيضاً بطاش، ورأيتم الذي كان جباراً قوياً كيف أخذ من قبر، الله بطاش، الله يعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ويكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين، لكن تصفية الحساب يوم القيامة.
﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
 [سورة آل عمران: 185 ]
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾
الملك أيها الأخوة الله عز وجل، مالك كل شيء خلقاً وتصرفاً ومصيراً، الإنسان أحياناً يملك بيتاً، يملك أن ينتفع به، يملك منفعته إذا كان بيتاً مستأجراً على النظام القديم، ولا يملك رقبته، وأحياناً إنسان يملك رقبة البيت، ولا يملك منفعته إذا كان مؤجراً، وأحياناً يملك رقبته ومنفعته، لكن يصدر قرار تنظيم أو استملاك فذهب البيت، لا يملك مصيراً، فالله عز وجل ولله المثل الأعلى يملك كل شيء خلقاً وتصرفاً ومصيراً، ويملك أيضاً الملوك، ومن لا يملك شيئاً، إنسان حجمه يقدر بتسعين ملياراً، هذا ( بيل غيت )، إذا مات تنتهي هذه الملكية، الله عز وجل خير الوارثين.
 
كل شيء بيد الله وحده :
 
مات رجل، وترك ألف مليون ليرة، القصة من سنتين أو ثلاث، نصيبه تسعون  مليوناً، فشمر وانطلق لإجراء المعاملات، بقي ستة أشهر خارج المحل التجاري ما دخل إليه إطلاقاً، ومات قبل أن يأخذ شيئاً، الله هو المالك، مالك كل شيء.
أحياناً يموت إنسان، ويظن شخص أنه الوريث الأول، قد لا يعيش ساعات بعد هذه التركة الكبيرة، إذاً:
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
وتوسعنا: قلبك بيد الله، دسامات القلب بيد الله، النبض الكهربائي بيد الله، قطر الشريان التاجي بيد الله، أن يسري الدم بأوعية الدماغ بشكل طبيعي بيد الله، وأن تنشأ خثرة بالدماغ بمكان شلل، بمكان جنون، بمكان عمى، بمكان فقد ذاكرة، خثرة لا ترى بالعين، تتجمد بأحد أوعية الدماغ، ينتهي كل شيء.
أيها الأخوة، كل شيء بملكه، عملك، صحتك، زوجتك، أولادك، من فوق، من تحت:
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾
 
الفوز الحقيقي أن تصل إلى الجنة وما سوى هذا الهدف لا يعد فوزاً :
 
إلا أنه لما قال الله عز وجل:
﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾
عندنا فوز سطحي، معنى ذلك كما أن هناك فوزاً عظيماً فهناك فوز سطحي، كيف؟ إنسان في الدنيا ملك ثروة كبيرة، أحياناً تروج تجارته، يصبح وكيلاً لشركات عديدة، صار من جامعي الأموال.
﴿ وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾
[ سورة الزخرف: 32]
هذا فوز لكنه سطحي، ما دام ينتهي بالموت فلا قيمة له عند الله، لذلك: عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
 (( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ ))
[الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]
إذاً عندنا فوز سطحي، وعندنا فوز حقيقي، الفوز الحقيقي أن تصل إلى الجنة، وما سوى هذا الهدف لا يعد فوزاً.
﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾
[ سورة النساء: 77]
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعم: 44]
 
إذا كنا في العناية الإلهية المشددةفهذه نعمة كبيرة :
 
هؤلاء الذين يعتدون على شعوب مسلمة والله عندهم أموال لا تأكلها النيران، لوحة زيتية لا تفهم منها شيئاً على الإطلاق مكتوب عليها: بيكاسو، ثمنها ستون مليون دولار، هذا المبلغ يحلّون به مليار مشكلة عندنا، هو ثمن لوحة زيتية. قضية البذخ والإنفاق شيء لا يصدق في العالم الغربي:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعم: 44]
ممثلة انتحرت، بيعت قطعة ثيابها بالمزاد بمبلغ فلكي، أموال لا تأكلها النيران، ترف، كبر، فسوق، فجور:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
فإذا كنا نحن نعالج فهذه نعمة كبيرة، إذا كنا في العناية الإلهية المشددة، ونعالج لعل الله عز وجل يرحمنا عند الموت، فهذه نعمة كبيرة، لذلك ورد أنه:
((وعزتي وجلالي لا أقبض عبدي المؤمن وأنا أحب أن أرحمه إلا ابتليته بكل سيئة كان عملها سقماً في جسده، أو إقتاراً في رزقه، أو مصيبةً في ماله أو ولده، حتى أبلغ منه مثل الذر، فإذا بقي عليه شيء شددت عليه سكرات الموت حتى يلقاني كيوم ولدته أمه ))
[ورد في الأثر]
 
الطغاة يموتون لكن عذابهم يبدأ من الموت :
 
نحن أيها الأخوة، والله أنا أصدُقكم إذا وصل أحدٌ إلى القبر نظيفاً ليس عليه شيء فهذا أسعد إنسان في الأرض، أما الطغاة يموتون، لكن عذابهم يبدأ من الموت.
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
[ سورة الحجر: 92-93]
هؤلاء الأقوياء يهدمون في اليوم سبعين بيتاً، يجرفون أشجار الزيتون، يقتلون قتل تشفٍّ، يدمرون، يقتلون الأطفال، تصدر زعيمهم على الشاشة ليقول: نحن نكافح الإرهاب، أي إرهاب هذا؟ شهد الله أنه ليس في الأرض من هو أغبى منه، لو أدخل في حساباته أن الله سيحاسبه.
﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾.
[ سورة إبراهيم: 42]
البطولة أنا أقول دائماً: إن لم تكن طرفاً في مؤامرة قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إفسادهم، أو إذلالهم، أو إبادتهم، أنت ملك الآن، إذا كنت نظيفاً لا علاقة لك بما يحاك ضد المسلمين فأنت في بحبوحة كبيرة، وأنت من أسعد الناس.
بهذا تنتهي سورة المائدة.
الحمد لله رب العالمين

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب