سورة المائدة 005 - الدرس (47): تفسير الآيات (109 - 110) خصوصية السيد المسيح

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات"> سورة المائدة 005 - الدرس (47): تفسير الآيات (109 - 110) خصوصية السيد المسيح

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 17 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 08 - فقدنا الأمل في الدعاء - د. عمر عبدالحفيظ           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - التضامن مع الأسرى           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 389 - سورة المائدة 006 - 006           برنامج منارات مقدسية: منارات مقدسية - 272 - مقبرة باب الرحمة           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 07 - بشرى لمن قصف بيته - الشيخ محمد نور         

الشيخ/

New Page 1

     سورة المائدة

New Page 1

تفسير القرآن الكريم ـ سورة المائدة - تفسير الآية: (109 - 110) - خصوصية السيد المسيح

21/03/2011 06:08:00

سورة المائدة (005)
الدرس(47)
تفسير الآيات: (109 – 110)
خصوصية السيد المسيح
 
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
 

 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
 
الله تعالى سيجمع الخلائق ويجمع معهم الرسل ويسألهم عن استجابة الناس لهم :
 
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع والأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية التاسعة بعد المئة، وهي قوله تعالى:
﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
هذه الآية أيها الأخوة يتضح منها أن الله سبحانه وتعالى سيجمع الخلائق، ويجمع معهم الرسل، وسيسألهم: كيف كانت استجابة الناس لهم؟ لم يقل: بماذا أجبتم؟ ولو كان السؤال هكذا لكان الله عز وجل قد أراد التفاصيل، ولكن سألهم: ماذا أُجِبتم؟ تماماً كما لو أن طالباً أدى امتحاناً مصيرياً، إذا دخل إلى البيت يُسأَل سؤالا إجماليّاً: كيف كنت؟ يقول: جيد، لكن في لقاء أطول يُسأل عن تفاصيل الأجوبة. إذاً السؤال الآن:
﴿ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾
هل استجاب الناس لكم أو لم يستجيبوا؟ والآية الثانية التي توضح هذه الآية:
﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً ﴾
[ سورة النساء: 41]
 
أي استجابة من الناس للأنبياء هي استجابة في الظاهر لكن المضمون متعلق بالنوايا :
 
الرسل سوف يسألون:
﴿ مَاذَا أُجِبْتُمْ ﴾
ماذا قابل الناس دعوتكم؟ استجابوا لكم أو لم يستجيبوا؟ وأتباع الرسل يسألون أيضاً، هل استجبتم لدعوة أنبيائي أم لم تستجيبوا؟ فالرسول له سؤال، والذي أرسل إليه له سؤال، أما النبي عليه الصلاة والسلام فهو شاهد علينا يوم القيامة:
﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً ﴾
[ سورة النساء: 41]
لكن جواب الأنبياء:
﴿ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ﴾
الحقيقة أن الجواب يحتاج إلى تأمل، كيف لا علم لهم به؟ ألم يلتقوا بالناس؟ ألم يروا أن بعض الناس قد آمن بهم، والبعض لم يؤمن؟ لمَ قالوا: لا علم لنا؟ هو يسألهم كيف كانت استجابة الناس لهم؟ هم عاصروه، وهم عاينوه، هم الذين عاشوا مع الناس، فكيف يقولون: لا علم لنا، من أدق ما قاله المفسرون حول هذه الإجابة التي لا تعني التفاصيل أن الأعمال الظاهرة لا قيمة لها عند الله إلا إذا رافقتها نيات عظيمة ونيات مخلصة، فنحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، فأي استجابة من الناس لأنبياء الله عز وجل فهذه الاستجابة في الظاهر، لكن المضمون متعلق بالنوايا.
 
الإخلاص لا يتطلع عليه أحد إلا الله :
 
لو أن إنساناً يملك أراضي شاسعة وجاء من أخبره أنك إذا تبرعت بأرض لمسجد البلدية تضطر أن تنظم الأرض، وأن تجعلها محاضر، وعندئذٍ ترتفع قيمتها إلى ضعفين، فهذا صاحب الأرض بدافع من حبه للربح، يقدم قطعة أرض لتكون مسجداً، فكل من شاهد هذا التبرع يثني عليه، ما شاء الله، محسن كبير، قدم الأرض لتكون مسجداً، لكن الله وحده يعلم أنه ما قدم هذه الأرض لتكون مسجداً إلا من أجل تنظيم الأرض، ورفع ثمنها، فلذلك نحن جميعاً كبشر نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر، فأنا حينما لا أزكي أحداً على الله أكون متأدباً مع الله، أنا حينما لا أزكي أحداً أكون متأدباً مع الله، لذلك كان السلف الصالح إذا أرادوا أن يزكوا إنساناً قال: نحسبه صالحاً، ولا نزكي على الله أحداً، إذاً: إجابة الأنبياء من هذا القبيل:
﴿ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ﴾
بعض الناس استجابوا لنا، لكن بمَ استجابوا؟ ما مستوى إخلاصهم؟ ذلك لأن الإخلاص لا يتطلع عليه أحد إلا الله، لا ملِك ولا غير ملِك، تقوم بعمل طيب، من هنا جاء قوله تعالى:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
[ سورة الفرقان: 23]
عَنْ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
 (( لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ أخوانكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ))
[ أخرجه ابن ماجه عَنْ ثَوْبَانَ]
إذاً:
﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً ﴾
[ سورة الفرقان: 23]
 
الإخلاص في العبادة هو الذي يعطي العبادة قيمتها :
 
ذكرت مرةً أن رجلاً لزم الصف الأول في صلاة الفجر أربعين عاماً، وفي أحد الأيام غفل عن وقت صلاة الفجر فلم يحضر الصلاة، فقال: ماذا يقول الناس عني في هذا اليوم؟ فهِم من هذا القلق أنه إنما  يصلي من أجل الناس، فلذلك قضية الإخلاص قضية مهمة جداً، أنا لا أريد أن ألخص عمل كل إنسان، ولكن لينتبه الإنسان أن الإخلاص أساس الدين، الإنسان مكلف أن يعبد الله مخلصاً له الدين، الإخلاص في العبادة هو الذي يعطي العبادة قيمتها. إذاً من شدة أدبهم مع الله:
﴿ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام كان عند بعض أصحابه الذين توفاهم الله، كان من عادته عليه الصلاة والسلام أنه إذا توفي أحد أصحابه كان يأتي بيته قبل أن يغسل، من باب التكريم، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:
 (( أَنَّ أُمَّ الْعَلَاءِ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اقْتُسِمَ الْمُهَاجِرُونَ قُرْعَةً فَطَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَأَنْزَلْنَاهُ فِي أَبْيَاتِنَا، فَوَجِعَ وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ، وَغُسِّلَ، وَكُفِّنَ فِي أَثْوَابِهِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَكْرَمَهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ يُكْرِمُهُ اللَّهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي، قَالَتْ: فَوَ اللَّهِ لَا أُزَكِّي أَحَداً بَعْدَهُ أَبَداً ))
[البخاري و أحمد عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ]
نحن من باب علم اليقين، من هو الذي يدخل الجنة مؤكداً؟ عشرة أشخاص في الأمة الإسلامية، بشرهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجنة، وما سوى ذلك فعلى الرجاء جميعاً، ليس معنى هذا أن عملك الصالح يضيع عند الله، لا، ولكن من باب الأدب مع الله لا يجوز لأحد أن يتألى على الله، أنت حينما تحكم على مصير إنسان حكماً قطعياً هذا سماه العلماء التألّي على الله، قال لها:
 ((وَاللَّهِ مَا أَدْرِي، وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِي ))
[البخاري و أحمد عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ]
 
خصوصية السيد المسيح عند الله عز وجل :
 
إذاً كلمة الأنبياء والرسل (لا علم لنا) كلمة توحيدية، وفي أعلى درجة من الأدب:
﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
أنت المطلع يا رب على الخبايا، أنت الذي تعرف السرائر، أنت الذي تعرف الظاهر، وتعرف الباطن، وتعرف السرائر، أنت الذي تعرف ما يخفيه الإنسان عن الآخرين، وتعرف ما يخفى عنه، وتعلم ما يخفي، وتعلم ما يخفى عنه، لذلك قال تعالى:
﴿ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾
[سورة الطور: 18]
 علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون.
﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
الآن في سؤال موجه لسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام خصوصية في هذا النبي الكريم، ذلك أن الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء والمرسلين، من الناس من استجاب لهم، ومن الناس من لم يستجب لهم، من الناس من كذبهم، من الناس من آمن بهم، لكن السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام له خصوصية، ذلك أن الذين دعاهم إلى الله إما أنهم ألّهوه، أو أنهم وصفوه بأنه ابن الإله، إذاً لا بد من سؤال تفصيلي حول هذه الظاهرة التي ينفرد بها السيد المسيح.
 
لم يذكر في القرآن إلا السيدة مريم وحدها :
 
قال تعالى:
﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ﴾
ولم يذكر في القرآن إلا السيدة مريم وحدها، لأن سيدنا عيسى ليس له أب فقال الله عنه: عيسى بن مريم.
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ ﴾
والحقيقة هناك ملمح في الآية دقيق جداً، هو أن هذه النعم يعرفها السيد المسيح معرفة تامة، هو الذي تلقاها من الله عز وجل، أو جرت على يديه، ولكن هذا تقريع للذين لم يؤمنوا به، كل هذه النعم وهذه المعجزات التي أجراها الله عليه، مع ذلك لم تؤمنوا:
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ﴾.
 
أقدس ما في المرأة عفتها والسيدة مريم صدّيقة النساء :
 
حينما أراد الله جل جلاله أن تكون معجزة هذا النبي أنه ولد من دون أب، أمه السيدة العذراء ولدته من دون أن يمسها بشر، والمألوف عند الناس أن التي تلد ولا زوج لها تعد عند الناس زانية، وهذا الذي دعا السيدة مريم أن تقول:
﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ﴾
[ سورة مريم: 23]
شيء عظيم أن تتهم المرأة بعفتها، وأقدس ما في المرأة عفتها، وكانت هذه السيدة صدّيقة النساء:
﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً ﴾
[ سورة مريم: 23]
وقال سبحانه:
﴿ يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾
[ سورة مريم: 28]
في الآية إشارة إلى أن الوالدين الصالحين من لوازم صلاحهما أن يكون الابن صالحاً.
﴿ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً ﴾
[ سورة مريم: 28]
لذلك لهذا النبي الكريم خصوصية.
 
تكلم عيسى عليه السلام في المهد ليبرئ أمه معجزة كبيرة :
 
قال تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾
روح القدس هو سيدنا جبريل عليه السلام.
﴿ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾
الطفل في المهد لا يملك شيئاً، فهو ضعيف ضعفاً مطلقاً، لا يستطيع لا أن يتكلم، ولا أن يأكل وحده، ولا أن يقضي حوائجه وحده، فحضيض الضعف حينما يكون الطفل في المهد، المهد فراش مهيأ له، لأنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لو أن في الفراش بحصة لا يستطيع أن يزيلها، هذا الطفل الذي في المهد إذا به ينطق، ويتكلم، لأن أمه لزمت الصمت، هي متّهمة الآن، ودفاعها عن نفسها لا يقدم ولا يؤخر، والناس لن يصغوا لها، فكانت هذه المعجزة أن وليداً في المهد يقول:
﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً*وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً ﴾
[ سورة مريم: 30-31]
تكلم هذا الوليد وهو في المهد ليبرئ أمه، هذه معجزة كبيرة، هذا يذكرنا بماشطة فرعون، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادِهَا، قَالَ: قُلْتُ: وَمَا شَأْنُهَا؟ قَالَ: بَيْنَا هِيَ تُمَشِّطُ ابْنَةَ فِرْعَوْنَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ سَقَطَتْ الْمِدْرَى مِنْ يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي، قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَبِّي وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ، قَالَتْ: أُخْبِرُهُ بِذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَأَخْبَرَتْهُ، فَدَعَاهَا، فَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، وَإِنَّ لَكِ رَبّاً غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَمَرَ بِبَقَرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ، فَأُحْمِيَتْ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا أَنْ تُلْقَى هِيَ وَأَوْلَادُهَا فِيهَا، قَالَتْ لَهُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، قَالَ: وَمَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: أُحِبُّ أَنْ تَجْمَعَ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَتَدْفِنَنَا، قَالَ: ذَلِكَ لَكِ عَلَيْنَا مِنْ الْحَقِّ، قَالَ: فَأَمَرَ بِأَوْلَادِهَا، فَأُلْقُوا بَيْنَ يَدَيْهَا وَاحِداً وَاحِداً، إِلَى أَنْ انْتَهَى ذَلِكَ إِلَى صَبِيٍّ لَهَا مُرْضَعٍ، وَكَأَنَّهَا تَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِهِ، قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ صِغَارٌ؛ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَشَاهِدُ يُوسُفَ وَابْنُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْن)).
[أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]
 
الأم آية من آيات الله الدالة على رحمته :
 
الأم آية من آيات الله الدالة على رحمته، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:
(( كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ، فَمَرَّ بِقَوْمٍ فَقَالَ: مَنْ الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ الْمُسْلِمُونَ، وَامْرَأَةٌ تَحْصِبُ تَنُّورَهَا، وَمَعَهَا ابْنٌ لَهَا، فَإِذَا ارْتَفَعَ وَهَجُ التَّنُّورِ تَنَحَّتْ بِهِ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَتْ: أَوَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَرْحَم بِعِبَادِهِ مِنْ الْأُمِّ بِوَلَدِهَا؟ قَالَ: بَلَى، قَالَتْ: فَإِنَّ الْأُمَّ لَا تُلْقِي وَلَدَهَا فِي النَّارِ، فَأَكَبَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ مِنْ عِبَادِهِ إِلَّا الْمَارِدَ الْمُتَمَرِّدَ الَّذِي يَتَمَرَّدُ عَلَى اللَّهِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ))
[ابن ماجه عَنْ ابْنِ عُمَرَ]
أخوتنا الكرام، يكاد يكون قلب الأم آية دالة على عظمة الله، وعلى رحمته، بل إن أرحم الخلق بالخلق من دون استثناء هو سيد الخلق وحبيب الحق، ومع ذلك قال الله له:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾
[ سورة آل عمران: 159 ]
نكرة، كل هذه الرحمة التي حملته على أن يبكي طوال الليل على الكفار، يقول عليه الصلاة والسلام:
 (( وَالله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ))
[الترمذي عنْ عَائِشَةَ وَعن أَبِي هُرَيْرَةَ وابنِ عَباسٍ وَأَنَسٍ ]
لأنه يحمل هم البشرية، وقد يحمل أحدنا همّ أسرته فقط، وهناك من لا يحمل همّ أسرته، يضيعهم، هناك من يحمل همّ أسرته الموسعة، أخواته وإخوته، هناك من يحمل همّ المسلمين في بلدة صغيرة، لكن النبي عليه الصلاة والسلام لعلو مقامه عند الله كان يحمل همّ البشرية، لذلك كان أرحم الخلق بالخلق، ومع كل ذلك قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
[ سورة آل عمران: 159 ]
 
أحد أنواع النصر أن تموت موحداً :
 
الرحمة جاءت نكرة، وهي دليل أنها أقلّ من الرحمة التي قال الله عنها:
﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾
[ سورة الكهف: 58]
الرحمة كلها عند الله، هذه الأم لما رأت ابنها الرضيع على وشك أن يلقى في النار تضعضعت وسكتت:
(( قَالَ: يَا أُمَّهْ اقْتَحِمِي، فَإِنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، فَاقْتَحَمَتْ ))
[أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]
هل انتصر عليها أم انتصرت عليه؟ لقد انتصرت عليه، أحد أنواع النصر أيها الأخوة أن تموت موحداً، أحد أنواع النصر ألا تستجيب لأي ضغط، لذلك أصحاب الأخدود هم الذين انتصروا على الذي أحرقهم، وقد تنسحب هذه الحقائق على ما يجري في العالم الإسلامي اليوم، هذا الذي يقتل موحداً، يقتل مستقيماً، يقتل صحيح العقيدة، هذا الإنسان هو المنتصر، مع أنه فقد الحياة، ولأن هناك حياةً أبدية فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لا قيمة لهذه الحياة الدنيا، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
 (( لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ))
[الترمذي عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ]
النبي عليه الصلاة والسلام في الإسراء والمعراج شمّ رائحة ما شم مثلها قط:
(( لَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُسْرِيَ بِي فِيهَا أَتَتْ عَلَيَّ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، وَأَوْلَادِهَا ))
[أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ]
إذاً تهمة كبيرة جداً امرأة متهمة بعرضها، إنسان متهمة بعفتها، إنسان متهمة بأثمن ما تملكه المرأة، لو أنها دافعت عن نفسها لا أحد يصدقها، لو أن أناساً دافعوا عنها لا أحد يصدقهم، شيء لم يكن له سابقة، غلام يولد من امرأة غير متزوجة، بحسب الوقائع والمألوف والعادات هي زانية قطعاً، واليهود اتهموها بالزنا لذلك جاء نطق ابنها أعظم تبرئة لها.
 
السيد المسيح كلّم الناس في المهد بمعجزة وسيكلمهم كهلاً بعد أن يعود إلى الأرض :
 
قال تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ ﴾
روح القدس هو جبريل.
﴿ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ﴾
كنت ضعيفاً، فكلّمتَهم بقدرتي.
﴿  وَكَهْلاً ﴾
كلّم الناس في المهد بمعجزة، وسيكلمهم كهلاً بعد أن يعود إلى الأرض.
﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾
[ سورة آل عمران: 55]
بعد أن تعود:
﴿ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾
[ سورة آل عمران: 55]
هذه معجزة، وهذا فضل كبير أن الله برأ السيدة مريم بأن أنطق ابنها الوليد الذي هو في المهد.
 
أساليب الدفاع عن المؤمنين لا تعد ولا تحصى :
 
إذاً:
﴿  اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ ﴾
إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ والحمد لله على وجود الله، وحينما تكون بريئاً أمام الله جل جلاله يتولى أن يدافع عنك.
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾
[ سورة الحج: 38 ]
أساليب الدفاع عن المؤمنين لا تعد ولا تحصى، تكون متهماً فيأتي إنسان حيادي بعيد يشهد ما رأى فيبرئك، هذا الذي دافع عنك هو في الحقيقة دفاع الله عنك، وأنت حينما يحبك الناس، أحبك الله فألقى محبتك في قلوب الخلق، الآن دافع الله عنك، أي ألهم أناساً منزهين عن الهوى أن ينطقوا بالحق فيدافعوا عنك. والقصص أيها الأخوة التي تجري مع المؤمنين إذا كانوا أطهاراً ومتقين كيف يتولى الله الدفاع عنهم، والله لا تعد ولا تحصى، يكون في تهمة لا بد من أن تحيط به، فيأتي إنسان، ويتكلم بالحق، ويلغي هذه التهمة.
 
الكتاب هو الوحي المتلو والحكمة هي الوحي غير المتلو أي الحديث الشريف الصحيح :
 
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ ﴾
بعضهم فسرها بالكتابة.
﴿ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ﴾
كلامه كان حكمة، وكان كلام النبي عليه الصلاة والسلام هو الحكمة.
﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ ﴾
[ سورة الجمعة: 2 ]
الكونية:
﴿ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾
[ سورة الجمعة: 2 ]
الكتاب الوحي المتلو، والحكمة الوحي غير المتلو، وهو الحديث الشريف الصحيح، إذاً الذي تكلم به سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام هو الحكمة، وقد عُلّم الكتابة والتوراة، درسها وعلمها، والإنجيل أنزل عليه، هذه النعم التي تترى على هذا النبي العظيم.
 
شاع الطب كثيراً في عصر سيدنا عيسى فجاءت معجزته مما تفوق فيه القوم :
 
قال:
﴿ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ﴾
وكمعجزة.
﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ ﴾
لأنه الذي يخلق الطير طيراً هو الله عز وجل، أما البشر فمكَّنه الله عز وجل أن يصنع من الطين شيئاً يشبه الطير، لكن الله تولى أن ينفخ فيه الروح:
﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ﴾
بقدرتي وعلمي.
﴿ فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ﴾
 جاءت بإذني مرتين:
﴿ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي ﴾
وقد شاع الطب كثيراً في عصر سيدنا عيسى فجاءت معجزته مما تفوق فيه القوم، تفوقوا في الطب.
 
الله عز وجل أجرى على يد سيدنا عيسى معجزة إحياء الموتى :
 
قال تعالى:
﴿ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾
نقل الميت من الموت إلى الحياة، الطب ما تقدم بعد، لو ذهبت إلى أكبر بلاد العالم تقدماً، لو جبت أعلى مستشفيات العالم، إذا توقف القلب ومات الدماغ انتهى كل شيء، يقف الطب عاجزاً أمام حالة الموت، ولا يستطيع أن يحيي الميت إلا الله، لكن الله سبحانه وتعالى أجرى هذه المعجزة على يد سيدنا عيسى عليه وعلى سيدنا أفضل الصلاة والسلام.
﴿ فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾
وحينما ائتمر عليه بنو إسرائيل كي يقتلوه ما استطاعوا أن يفعلوا ذلك، حفظه الله عز وجل، وقتلوا إنساناً شبه لهم، وكان خائناً.
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾
[سورة النساء: 157]
إذاً:
﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
يروى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الغار قال له الصديق: يا رسول الله لقد رأونا، أي وقعت عينهم عليهما، قال: يا أبا بكر ألم تقرأ قول الله تعالى:
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
[ سورة الأعراف: 198]
 
المعجزات التي جاء بها السيد المسيح كانت بإذن الله وقدرته لا بإذن المسيح وقدرته :
 
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
إذاً هناك أسئلة تفصيلية لهذا النبي الكريم لأن له خصوصية، وهي أن الذين حوله والذين أرسل إليهم وصفوه بأنه إله أو أنه ابن إله، فجاءت هذه التفاصيل، فأن يخلق من الطين ما يشبه الطير، فينفخ فيه فيكون طيراً كان هذا بإذن الله وقدرته ولا بإذن المسيح وقدرته:
﴿ بِإِذْنِي ﴾
جاءت مرتين:
 
﴿ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ﴾
لا بقدرة المسيح ولا بإذنه، ولكن بقدرة الله وإذنه:
﴿ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ﴾
 أي: بقدرة الله وإذنه، لا بقدرة المسيح وإذنه، إذاً هو عبد يجري الله على يديه المعجزات.
 
لم تتحد المعجزة مع الكتاب عند السيد المسيح كتابه الإنجيل شيء ومعجزاته شيء آخر:
 
قال تعالى:
﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ ﴾
أحياناً الله عز وجل يحفظه، يعمي عنه الأبصار، أرادوا قتله ولم يستطيعوا:
﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾
[سورة النساء: 157]
﴿ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ ﴾
أيها الأخوة الكرام، لا بد قبل نهاية الدرس من توضيح هذه الحقيقة، إذا أراد الإنسان الحقيقة فأقلّ شيء في الكون يدله على الله، البعرة تدل على البعير، والماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، وإن لم يتخذ قراراً لطلب الحقيقة، وكان في أكبر محطة فضاء في العالم يرى المجرات بعينه، لو كان على مجهر إلكتروني يرى الخلية بدقائقها لا يؤمن، العبرة أن يكون هناك قرار ذاتي في أعماق نفسه في البحث عن الحقيقة.
فهؤلاء رأوا إنساناً يصنع من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فإذا هو طير حقيقي، يبرئ الأكمه، ويبرئ الأبرص، ويحيي الموتى، ينطق وهو في المهد، هذه كلها معجزات، والمعجزات هي في الحقيقة شهادة الله للناس أنهم أنبياء الله عز وجل.
ولكن لم تتحد المعجزة مع الكتاب عند السيد المسيح، كتابه الإنجيل شيء ومعجزاته شيء آخر، والله عز وجل لم يتولَ حفظ التوراة والإنجيل، وأمر بحفظهما، والأمر بالحفظ شيء، والحفظ التكويني شيء آخر، أمر بحفظ التوراة والإنجيل فبناء على قوله تعالى:
﴿ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾
[ سورة المائدة: 44]
الأنبياء نفذوا هذا الأمر التكليفي، وحفظوا التوراة والإنجيل، ولكن الأتباع لم ينفذوا هذا الأمر، وغيروا التوراة والإنجيل، لكن المعجزة شيء، والكتاب شيء آخر، ولكن في القرآن الكريم اتحد القرآن مع المعجزة، والمعجزة في القرآن علمية مستمرة إلى يوم القيامة، ففي القرآن ألف وثلاثمئة آية تتحدث عن الكون، بسبق علمي لا يصدقه عاقل على وجه الأرض أن يستطيع البشر وقت نزول القرآن أن يفهموا هذه القضايا العلمية، لكن تقدم العلم هو الذي كشف عن جوانب هذه الآيات، فكانت هذه الآيات في خانة الإعجاز العلمي في القرآن، والإعجاز العلمي في القرآن أكبر دليل على أنه كلام الله.
وفي درس قادم إن شاء الله تعالى نتابع الآيات التي تتحدث عن هذا النبي العظيم الكريم السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
الحمد لله رب العالمين



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب