مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 18 - رمضان - 1445هـ           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 41- اقتصاد الأسرة في ظل الأزمات- سامر خويرة -27 - 03 - 2024           برنامج من كنوز النابلسي 2: من كنوز النابلسي - رمضان - 160- كلية رمضان           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 18 - رمضان في ظلال ايات الرباط - الشيخ عيد دحادحة           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - رمضان الانتصارات - في ظلال بدر وفتح مكة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 370 - سورة النساء 135 - 135         

الشيخ/

New Page 1

     أسباب النزول

New Page 1

علم أسباب النزول 1

27/03/2011 12:49:00

أ. طاهر العتباني
   بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
 اعتنى العلماء في علوم القرآن بعلم أسباب النزول، وذلك للاستعانة به على تفسير القرآن الكريم، وألف فيه جماعة من العلماء، ومن أشهر الكتب فيه:
أسباب النزول للواحدي.
لباب النقول في أسباب النزول للسيوطي.
 
ويعتمد العلماء في معرفة أسباب النزول على صحة الرواية عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أو عن الصحابة، ويرون أنه لا يحل القولُ في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب.
 
ويرى أهل العلم أن القرآن نزل على قسمين:
1.     قسم نزل ابتداء.
2.      قسم نزل عقب واقعة أو سؤال.
ويُعرَّف سببُ النزول بأنه: ما نزل قرآنٌ بشأنه وقتَ وقوعِه؛ كحادثةٍ أو سؤال، وفي هذا المطلب نتحدث في فرعين حول موضوعين يتعلقان بأسباب النزول وهما:
 فوائد معرفة أسباب النزول.
 العمل إذا تعددت الروايات في سبب النزول.
وكلا الموضوعين له تعلق واتصال باستنباط الأحكام من الآيات
الفرع الأول: فوائد معرفة سبب النزول:
لمعرفة أسباب النزول فوائد منها:
أولا: بيان الحكمة التي كانت وراء تشريع حكم من الأحكام، وإدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة في علاج الحوادث رحمة بالأمة.
وتظهر الحكمة جلية مثلا في آيات المواريث من سورة النساء.
عن جابر قال: جاءت امرأةُ سعد بن الربيع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنتيها من سعد، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتل أبوهما معك في أُحد شهيداً، وإنَّ عمَّهما أخذ مالَهما فلم يدع لهما مالاً، ولا ينكحان إلا بمال، فقال: يقضي الله في ذلك، فنزلت آيةُ المواريث. فأرسل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال: "أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك"، رواه الخمسة إلا النسائي.
فسببُ نزول هذه الآيات في الميراث يُبيّن الحكمةَ في تشريع الميراث، والحكمةَ من جعل نصيب للبنت، وهو ما لم يكن معهوداً في الجاهلية، فلم تكن العربُ تعطي للنساء شيئاً من الميراث، فجاء الإسلامُ فأصلح هذا الوضع المعوجَّ الذي تُظلم المرأة فيه، وتَبيَّنتِ الحكمةُ من أن النساء لهن نصيب مما ترك الوالدان والأقربون كالرجال تماماً وإن اختلفت الأنصبة.
ثانيا: تخصيص حكم ما نزل إن كان بصيغة العموم بالسبب عند من يرى العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ، وقد مُثّل لهذا بقوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188].
روى البخاري ومسلم أن مروان بن الحكم قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كلُّ امرئ فَرِحَ بما أتى وأحب أن يُحمد بما لم يفعل معذباً لنُعذَّبنَّ أجمعون، قال ابن عباس: وما لكم ولهذه؟ إنما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهود، فسألهم عن شيء، فأخبروه بغيره، فأروه أنهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم. متفق عليه.
وفيها سبب آخر ذكره السيوطي في لباب النقول؛ قال: أخرج عبدُ بن حميد في تفسيره عن زيد بن أسلم أن رافعَ بن خَدِيج وزيدَ بن ثابت كانا عند مروان، فقال مروان: يا رافع في أي شيء نزلت الآية: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾، قال رافع: أنزلت في أناس من المنافقين كانوا إذا خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا، وقالوا: ما حبسنا معكم إلا شغل، فلوَدِدْنا أنا كنا معكم، فأنزل الله فيهم هذه الآية.
وكأن مروان أنكر ذلك، فخرج رافع من ذلك، فقال لزيد بن ثابت: أنشدك الله، هل تعلم ما أقول به؟ قال: نعم. [لباب النقول: 62- 63].
ففي هذا المثال يتضح أن سبب النزول قد يُخصص معنى الآية.
ثالثا: معرفة سبب النزول خير سبيل لفهم معاني القرآن، وكشف الغموض الذي يكتنف معاني بعض الآيات في تفسيرها.
وبعضُ الآيات لا يمكن الكشفُ الجلي عن معناها وتفسيرها ما لم يراجع سببُ النزول؛ ذلك أن العلم بالسبب يُورث العلم بالمسبب، ومن أمثلة ذلك ما ورد في الفقرة الماضية من تفسير قوله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾، فقد كشف ابنُ عباس ببيان سبب النزول عن معنى الآية.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].
قال أهل العلم: ظاهر الآية لا يقتضي أن السعي فرض في الحج والعمرة؛ لأن رفع الجناح يفيد الإباحة لا الوجوب ومن هنا تمسك الإمام أبو حنيفة بذلك، فهو يرى أن السعي بين الصفا والمروة واجبٌ وليس بركن، وعلى تاركه دم.
ولكن مراجعة سبب النزول يبين معنى الآية، ويبين أن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج والعمرة.
روى البخاري ومسلم عن عروة: سألت عائشة، قلت: أرأيت قول الله تعالى: "إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما"، قلتُ: فوالله ما على أحدٍ جناحٌ أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشةُ: بِئسَما قلتَ يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أولتها عليه، كانت: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ﴾، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يُهلون لِمَنَاةَ الطاغيةِ التي كانوا يعبدونها في الجاهلية، وكان من أهلَّ لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية. فأنزل الله عز وجل: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾، قالت عائشة: ثم قد سن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الطوافَ بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما. متفق عليه.
رابعا: يوضح سببُ النزول مَن نزلت فيه الآية، حتى لا تحمل على غيره بدافع الجدل والخصومة؛ فعن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه، قال مروان: سنة أبي بكر وعمر. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر. فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه: ﴿وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا﴾ الآية [الأحقاف: 17]، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب مروان! والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه لسميته. رواه النسائي.
يتبع في مقال ثانٍ بعنوان (الفرع الثاني: تعدد الروايات في سبب النزول).



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب