سورة السجدة (032)
الدرس (6)
تفسير الآيات: (23 ـ 30)
لفضيلة الأستاذ
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
التكذيب سنّة جارية في الكفار مع أنبيائهم :
أيها الإخوة المؤمنون ... مع الدرس السادس والأخير من سورة السجدة ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
( سورة السجدة )
هذه الآية أيُّها الإخوة فيها تسليةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام ، أيْ أنْ يا محمد إن كنت قد كُذِّبت ، وإن كنت قد جَهِدت في نشر هذه الدعوة فشأنك شأن الأنبياء السابقين .
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ ﴾
( سورة السجدة : آية " 23 " )
المرية هي الشك .
﴿ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ﴾
( سورة السجدة : آية " 23 " )
معنى : فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ
هذه الهاء على من تعود ؟ أغلب العلماء على أنها تعود على لقاء ما جاء في الكتاب من وعدٍ ووعيد ، أي يا محمد إيَّاك أن تقنط ، إيَّاك أن تيأس ، شأنك شأن الأنبياء السابقين دعوا إلى الله فكُذِّبوا ، وفي النهاية جاء نصر الله ، كانوا هم الأَعْلَون :
﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
( سورة المجادلة )
وهذه الآية المؤمنون في كل زمانٍ ومكان أحوج ما يكونون إليها ، فلو رأيت أنَّك في السلم الأخير ، وأن أهل الفسق والفجور في الدرجات العليا من السلم الاجتماعي ، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن العاقبة للمتقين ، يجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن العِزَّة لله ولرسوله وللمؤمنين .
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ ﴾
شأنك شأن أي نبيٍ سابق دعا إلى الله ، كذَّبه قومه ، استهزءوا به ، كفروا به ، ائتمروا على قتله ، كادوا له ، ودارت الأيام وكانت النهاية له ، والعاقبة لدينه ، والغلبة لأتباعه .
﴿ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ ﴾
أي لا بدَّ من أن تلقى وعدَ الله بالنصر ، إيَّاك أن تشُكَّ أيها النبي ، فالإنسان في ساعات الشدة ، في ساعات الضغط ، في ساعات جولة الباطل ، قد يضعف ، وقد ينكمش :
﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
( سورة آل عمران )
الضعف قد يكون نفسياً ، حينما ترى أنك ضعيف ، وأن أهل الباطل أقوياء ، حينما ترى أنك فقير ، وأن أهل الباطل أغنياء ، حين ترى أنك لا حول لك ولا قوة ، وأن أهل الباطل بيدهم الحول والقوة فيما يبدو ، لا تنكمش ، لا تتطامن ، لا تشعر أنك رخيصٌ على الله عزَّ وجل .
﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
( سورة آل عمران )
﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
(سورة الأنفال )
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾
( سورة الأنفال )
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾
( سورة التوبة )
المؤمن تجري عليه سنة الله في الأنبياء بالابتلاء والنصر :
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام وهو سيِّد الخلق قد اكفهر حاله ، ربنا عزَّ وجل في ساعات الشدة ، في ساعات التكذيب ، في ساعات الاستهزاء ، في ساعات الإحباط ، وبعد أن ماتت زوجته خديجة ، فقد السند الداخلي ، ومات عمُّه أبو طالب ففقد السند الخارجي ، واشتد إيذاء قريش حتى سُمِّي العام العاشر للبعثة عام الحزن ، مَسَحَ الله عنه هذا الحزن في الإسراء والمعراج ، عرف مقامه ، عرف أنَّه سيد الأنبياء ، فقياساً على هذه القصة ، قياساً على هذا القانون ، وهذه السنة إذا عورِضت ، إذا كُذِّبت ، إذا ضاقت بك الدنيا ، إذا اشتد الخصوم ، إذا سفَّهوا دعوتك ، لا تيأس ، لا تقنط ، لا تضعف ، لا تذِل ، لا تستخذي ، لا تخنع :
﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
( سورة ال عمران 139 )
هذه آيات كما قال عنها المفسرون فيها تسليةٌ للنبي عليه الصلاة والسلام ، أي إنك لست وحدك أيها النبي ، هذا شأن كل نبي ، كلهم كذَّبوا ، كلهم أوذوا ، كلهم اتهموا بالسحر ، اتهموا بأنهم مجانين ، وقالوا : ساحرٌ مجنون ، فمن أنت إذا ناقشت إنساناً ، إذا دعوت إلى الله ، فجاء من سفَّهك ، وقال : لك مطامح ، أنت لك مآرب ، أنت لك مرتزق ـ فلا مانع ـ اتهم النبي الكريم بأنه ساحر ، بأنه كاهن ، بأنه شاعر ، بأنه مجنون ، فالمؤمن له ميزة ، معنويَّاته مرتفعة ، قد يكون متعباً ، قد يكون مُعَارَضاً ، قد يكون مكذباً ، لكن معنوياته مرتفعة ، هذا معنى :
﴿ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾
( سورة آل عمران146 )
الخط البياني لدعوة النبي في الطائف :
أذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام إن كان لدعوته خطٌ بياني ، هذا الخط هَبَطَ إلى أدنى درجة بعد أن عاد من الطائف ، ففقد زوجته ، فقد عمه ، كذَّبته قبيلته ، ذهب إلى الطائف مع سيدنا زيد مشياً على قدمين ، في الطائف استهزءوا به ، وكذبوه ، واتهموه بالسحر وبالكذب ، وقال له أحدهم : لو أنك رسولٌ كما تدعي لمزَّقت أثواب الكعبة ، وحين عاد إلى مكة كان دمه مهدوراً ، ولولا أنه دخل مكة في حماية المُطْعِم بن عدي لقُتِل النبي عليه الصلاة والسلام ، في هذه اللحظة الحرجة ، في هذه النهاية الصُغرى للخط البياني ، في هذا الهبوط الشديد قال عليه الصلاة والسلام :
(( إن الله ناصر نبيه )) .
[ السيرة النبوية ]
هذه ثقته ، فأنت كونك مؤمنًا لو أن الناس كلهم فسقوا ، لو أنهم فجروا ، لو أنهم فهموا الدين فهماً بسيطاً جداً وساذجاً ، فهموا الدين صلاة وصياماً فقط ، يأكلون المال الحرام ، يختلطون مع النساء المُحَرَّمات ، يفعلون ما يشتهون ولا يبالون ، فإذا كانوا كذلك أنت لا تيأس ، ولا تقنط ، ولا تستخذي ، ولا تشعر أنك هينٌ على الله عزَّ وجل ، الله عزَّ وجل لحكمةٍ أرادها فهناك أوقات يجول الحق جولته ، وهناك أوقات يجول الباطل جولته ، الباطل فيه جولة ، وللحق جولات كثيرة .
﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
معنى المرية :
في مِريةٍ : أي في شكٍ ..
بعضهم قال : في لقاء الله عزَّ وجل .
بعضهم قال : من لقاء ما وَعَدَ الله في كتابه .
بعضهم قال : من لقاء النبي عليه الصلاة والسلام لموسى عليه السلام في رحلة الإسراء والمعراج .
﴿ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
( سورة السجدة )
الآن :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سورة السجدة : آية " 24 " )
الإمامة مطلب كبير في الإسلام :
أي أن أعلى مرتبة ينالها الإنسان في الحياة الدنيا أن يسمح الله له أن يكون إماماً للناس ، وإنّ الذي يعينك إماماً هو الله عزَّ وجل ، بدليل قوله تعالى :
﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ﴾
( سورة النور : آية " 36 " )
من شروط الإمامة :
لن يسمح الله لك أن تنطق بلسان الحق ، ولا أن تدعو إلى الله إلا بشروط ، من هذه الشروط :
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾
( سورة البقرة : آية " 124" )
1 ـ تطبيق الداعي ما يقوله للناس :
أي لن تستطيع أن تقول كلمة حقٍ ، ولا أن تُحْدِثَ أثراً في نفسٍ إلا إذا كنت مطبقاً لما تقول ، الآية الكريمة :
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
( سورة الشورى )
الآية الثانية :
﴿ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
( سورة الزخرف )
تهدي إلى صراط مستقيم ، وأنت في الوقت نفسه على صراطٍ مستقيم ، فما رأى أصحاب النبي شيئاً قاله النبي ، ولم يفعله ، وما رأوا شياً نهى عنه وفعله ، ما الذي رفع النبي إلى أعلى عليين ؟ ليس في حياته ازدواجٌ أبداً ، ليس في حياته مسافة بين القول والعمل ، ما في قلبه على لسانه ، وما في لسانه في قلبه .
(( تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ )) .
[ ابن ماجه عن العرباض بن سارية ]
فلذلك أن تكون للناس إماماً هذه مرتبةٌ عاليةٌ جداً ، هذه صنعة الأنبياء ، لقول الله عزَّ وجل :
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾
( سورة طه )
ولكن دون هذه المرتبة تتحَطَّمُ أعناق الطامحين .
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾
( سورة البقرة : آية " 124 " )
متى جعلتُك إماماً ؟ بعد أن نفَّذت الأمر والنهي ، وقول الجنيد رحمه الله تعالى حينما سُئِلَ من ولي الله ؟ قيل له : " أهذا الذي يمشي على وجه الماء ؟ قال : لا .. قالوا : أهذا الذي يطير في الهواء ؟ قال : لا ، ثم قال : الولي كل الولي الذي تجده عند الحلال والحرام " ، والآية الدقيقة جداً :
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
( سورة الحجرات : آية " 13 " )
أيّ شيءٍ آخر لا يدلُّ على أن الله يحبك ، لو كنت متمتعاً بصحةٍ جيدة كالحصان قوة ، لو ملكت أكبر رصيد في العالم ، لو كنت أقوى إنسان في العلم ، الله عزَّ وجل أعطى القوة لمن لا يحب ولمن يحب ، وأعطى المال لمن لا يحب ولمن يحب ، ما دام قد أعطى القوة لمن لا يحب ، ولمن يحب وأعطى المال لمن يحب ولمن لا يحب ، إذاً لا يمكن أن تكون القوة ولا المال ، ولا الجمال ولا الذكاء مقياساً لرضاء الله عنك ، المقياس الدقيق الذي ورد في كتاب الله :
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾
إذاً لن يَسْمَحَ الله لك أن تكون إماماً إلا إذا كنت عند الأمر والنهي:
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾
2 ـ الصبر :
المقياس الثاني ورد في هذه الآية :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾
( سورة السجدة )
بعد أن تصْبِر ؛ يا رب أصبر على ماذا ؟ تصبر عن الشهوات التي نهى الله عنها ، وتصبر على الطاعات التي أمر الله بها ، وتصبر على فعل الله التكويني ، فلو جعلك عقيماً فهذا قضاء الله وقدره ، ومرحباً بقضاء الله وقدره ، جعل لك دخلاً محدوداً ، جعلك بشكلٍ أو بآخر ، جعلك تولَد من أبٍ معيَّن وأمٍ معينة ، هذا قضاء الله ، فيجب أن تصبر عن الشهوات ، وعلى الطاعات ، وعلى قضاء الله وقدره ، لذلك أن ترضى عن الله علامة إيمانك ، أن ترضى عن الله عزَّ وجل علامة معرفتك بالله عزَّ وجل ، لذلك لما كان الإمام الشافعي حول الكعبة وسمع أحد الطائفين يقول : يا رب ، هل أنت راضٍ عني ، فقال له : وهل أنت راضٍ عنه حتى يرضى عنك ؟ فقال : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا محمد بن إدريس الشافعي ، قال : كيف أرضى عنه ، وأنا أتمنى رضاه ؟ قال : إذا كان سرورك بالنِقمة كسرورك بالنِعمة فقد رضيت عن الله .
إذاً المقياس الثاني :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾
أول مقياس :
﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾
3 ـ عدم طلب الأجر من الناس في الدعوة :
المقياس الثالث :
﴿ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ¯ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة يس )
لا أجراً مادياً ، ولا معنوياً ، ولا تحقيقاً لمصالح ، الإنسان الذي يتنزَّه عن أن يكون الدين وسيلةً إلى الدنيا ، هذا مهتدٍ ..
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾
( سورة آل عمران : آية " 18 " )
من علامة أهل الحق أنهم يشهدون للناس أن الله قائمٌ بالقسط ..
﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ ﴾
( سورة الأحزاب : آية " 39 " )
هذه كُلُّها علامات أهل الصدق ، هذه كلها علامات أهل الحق ، هذه كلُّها دلالاتٌ وضعها الله بين أيدينا في كتابه لنعرف الحق من الباطل ، والمحق من المُبْطل ، والمؤمن من المنافق ، والصادق من الكاذب ، والمخلص من الخائن وهكذا ..
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾
( سورة السجدة )
أن تهدي الناس هذا الهُدى ليس على مزاجك ، وليس وفق رغبتك ، ولا حسب رأيك ، يجب أن تَهْدي الناس بأمر الله عزَّ وجل وفق الأمر والنهي ، لذلك أحد كبار العلماء قال : إن عمل الإنسان لا يُقْبَلُ إلا بشرطين ؛ إلا إذا كان خالصاً وكان صواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، فلو كان خالصاً ولم يكن موافقاً للسنة لا يقبل ، ولو كان موافقاً للسنة ، ولم يكن خالصاً لا يُقبل ، إذاً لا بدَّ من أن يجتمع شرطان كلٌ منها شرطٌ لازمٌ عندئذٍ يتأكد القبول ، إذاً :
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً ﴾
أئمةً جمع إمام ، والإمام يجب أن يكون أمام أتباعه ، كلمة إمام وأَمام من أصل واحد ، الإمام يجب أن يكون في الأمام ، أي أمامهم في تطبيق الأمر ، وأمامهم في ترك النهي ، وأمامهم في التقيُّد بالحدود ، وأمامهم في فعل الخيرات ، وأمامهم في الأمر بالمعروف ، يجب أن يكون الإمام أمام أتباعه ، وهذا معنى الإمام ، وجمع إمام أئمة .
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾
كما قال سيدنا الصديق : إنما أنا مُتَّبع ، لا يوجد إنسان بعد النبي عليه الصلاة والسلام بإمكانه أن يقول : اتبعوني .. من أنت ؟ أمَّا أن يقول : اتبعوا رسول الله ، وأنا أنقل لكم ما قاله النبي فهذا هو الصواب ، كما يقول أيضاً ، أنا أنقل لكم ما جاء في الكتاب والسنة ، أنا أَشِفُّ لكم عن حقيقة النبي ، فلذلك هذا معنى قول الله عزَّ وجل :
..
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾
إنما أنا متبع ، ولست بمبتدع ، أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم ، ولِّيت عليكم ، ولست بخيركم .. هذه خطبةٌ ألقاها سيدنا الصديق حينما تولى الخلافة ، وهي في الحق منهج ، لكل داعيةٍ إلى الله عزَّ وجل ، وقلت لكم قبل قليل :
﴿ لَمَّا صَبَرُوا ﴾
(سورة السجدة : آية " 24 " )
أي صبروا عن الشهوات المُحَرَّمة ، وصبروا على الطاعات التي كُلِّفَ بها الناس ، وصبروا على فعل الله التكويني ، فالله عزَّ وجل وزَّع الحظوظ ، وزَّع الذكاء بين الناس متفاوتاً ، وزَّع المال بتفاوتٍ كبير ، وزَّع القوة بتفاوتٍ أكبر ، هناك أقوياء وهناك ضعفاء ، هناك أغنياء وهناك فقراء ، هناك أصِحَّاء ، وهناك مرضى ، هناك أذكياء وهناك أغبياء ، هناك من منحهم الله جمال الصورة ، وهناك من سلبهم الله هذا الجمال ، فيهم دميم ، وفيهم جميل ، وذكي وغبي ، وقوي وضعيف ، صحيح ومريض ، غني وفقير ، عالم وجاهل ، فهذه الحظوظ ، وزعها الله سبحانه وتعالى في الدنيا .. دققوا .. توزيع ابتلاء ، أي أن كل واحد منا له مادَّة امتحانٍ مع الله ، إن كان فقيراً مادة امتحانه مع الله الفقر ، هل يرضى ، هل يصبر هل يتجمل ، هل يتعفف ، والغني مادة امتحانه مع الله الغِنى ؛ هل يستخدم هذا المال في سبيل الله ، في سبيل إعانة الضعفاء والبائسين ، والقول الذي قلته لكم سابقاً : يقف عبدان يوم القيامة فيقول الله لأحدهما : عبدي ، أعطيتك مالاً فماذا صنعت فيه ، يقول العبد : يا رب ، لم أنفق منه شيئاً على أحدٍ مخافة الفقر على أولادي من بعدي ، فيقول الله عزَّ وجل : ألم تعلم بأني أنا الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ، والعبد الآخر يقول : يا رب لقد أنفقته على كل محتاجٍ ومسكين لثقتي بأنَّك خيرٌ حافظاً ، وأنت أرحم الراحمين ، فيقول الله عزَّ وجل أنا الحافظ لأولادك من بعدك ، إذاً:
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ﴾
صبروا على الطاعات ، وعن الشهوات ، وعلى أمر الله التكويني ، رأوا أن حظوظهم من الله ، من قِبَلِ خالقٍ حكيمٍ عادلٍ رحيم، فرضوا بها ، لذلك كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( توقُّع المصيبة مصيبةُ أكبر منها )) .
أنت من خوف الفقر في فقر ، من خوف المرض في مرض ، أما نعمة الأمن فهي للمؤمن وحده ، لقول الله عزَّ وجل :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ¯الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾
( سورة الأنعام )
فكلمة صبروا ، معناها الأول واضح على الطاعات ، ومعناها الثاني عن الشهوات ، والثالث على نصيبك من الله عزَّ وجل ، جاءك أولاد غير مريحين ، أنت اعتنيت ، وبذلت جهداً ، وربِّيت ، ولكن ليسوا في المستوى المطلوب ، هذا قضاء الله وقدره ، لك زوجةٌ ليست مريحة لك ، تتعبك أحياناً ، هذه مادة امتحانك مع الله ، اجعل حظوظك التي نلتها من الله ، أو التي لم تنلها مادة امتحانك ، إن أعطاك الله مالاً فمادة امتحانك مع الله المال ، وإن حرمك المال حرمانك المال مادة امتحانك مع الله ..
المؤمن كما قال الإمام عليٌ كرَّم الله وجهه : " الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين " .
الحقيقة أن هؤلاء الأئمة ـ جمع إمام ـ ما كان لهم أن يهدوا الناس إلا بأمر الله عزَّ وجل ، بأمره التكويني ، وبأمره التشريعي ، أي سمح الله له أن يكون إماماً .
شيءٌ آخر ، هدى الناس وَفْقَ الكتاب والسنة ، أمر الله أن يكون إماماُ حينما هدى الناس وفق الكتاب والسنة .
﴿ لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سورة السجدة )
4 ـ اليقين :
الحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام سلك مع أصحابه منهجاً تربوياً رائعاً ، في مرحلةً مكيةٍ عرَّفهم بالله عزَّ وجل ، ورسَّخ عقيدتهم بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى ، وفي مرحلةٍ مدنية جاء التشريع ، فنحن إذا عكسنا الآية أو بدأنا بالثانية لا نحقِقُ الهدف ، لا بدَّ من أن نعرف الله عزَّ وجل ، لا بدَّ من أن نعرف الله حتى نطَبِّق أمره ، لا بدَّ من أن نعرف المُشَرِّع حتى نطبق شَرْعه ، لا بدَّ من أن نعرف الآمر حتى نُطَبِّقُ أمره ، إذاً :
﴿ وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سورة السجدة )
أي أيقنوا بحقائق أساسية ، أيقنوا بوجود الله ، وأيقنوا بوحدانيَّته ، وأيقنوا بكماله ، أيقنوا أن الله موجود ، قديمٌ لا أوَّل له ، وأبديٌ سرمديٌ لا آخر له ، هو الأول بلا بداية ، والآخر بلا نهاية ، آمنوا بوحدانيته ، واحدٌ في خلقه ، واحدٌ في ربوبيته ، واحدٌ في تسييره ، واحدٌ في ذاته ، واحدٌ في أسمائه ، واحدٌ في أفعاله ، واحدٌ في صفاته ، وآمنوا بكماله ولله الأسماءُ الحسنى فادعوه بها ، هذا اليقين ؛ موجود وواحد وكامل .
أما أنت أيها الأخ الكريم فلن تستقيم على أمر الله .. أقول لك هذا الكلام الدقيق .. لن تستقيم على أمر الله إلا إذا أيقنت بأنه موجود ، وبأنه يعلم ، وبأنَّه سيُحاسب ، وبأن هناك حياةً أبديةً سرمدية ، إما في جنةٍ يدوم نعيمها ، أو في نارٍ لا ينفد عذابها ، والدليل قول الله عزَّ وجل :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾
( سورة الطلاق )
أي إذا علمت بأن الله يعلم ، وأنه يقدر عليك لابدَّ من أن تستقيم على أمره ، بل إن الإنسان العادي إذا أيّقن أنَّ إنساناً مثلَّه لكنَّه أقوى منه يطوله علمه ، وتطوله قدرته يأتمر بأمره ـ إليك نظام السير فرضاً ـ فلو كنت في مكان ، وخالفت الإشارة لضبطت متلبساً بالمخالفة ، ولو ضبطت متلبساً بالمخالفة لا بدَّ من أن تنال العقاب ، لا يمكن إذاً أن تخالف أبداً ، إذاً الحقائق الأساسية ؛ الله موجود ، الله كامل ، الله واحد ، الأسماء التي إذا أيقنت بها استقمت على أمره ، وهي أن الله عزَّ وجل يعلم ويقدر، يعلم ما تفعل ، ويقدر على أن يحاسبك ، موجودٌ ، ويعلم ما تفعل ، وسيحاسبك على ما تفعل وسوف تدومُ الحياة الآخرة إلى الأبد ..
﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾
( سورة السجدة )
فالذي يطمح أن يسمح له الله أن يكون ناطقاً بلسان الله عزَّ وجل ، والذي يطمح أن يكون داعيةً إلى الله عزَّ وجل ، الذي يطمح أن يكون من السابقين ، النبي الكريم يقول :
(( علو الهمة من الإيمان )) .
[ ورد في الأثر ]
الذي يطمح أن يُجْري الله على يده الهُدى ، الذي يطمح أن ينطق الله لسانه بالحق ، الذي يطمح أن يكون أماماً لا خلفاً ، إماماً لا مؤْتَمَّاً ، هذا هو الطريق ، طاعة الله أولاً والصبر على أمره التكويني وأمره التشريعي ، الأمر التكويني واحد عطاءً أو منعاً ، والأمر التشريعي اثنان أمراً أو نهياً ، فإذا أيقنت بوجوده ، أيقنت بكماله ، أيقنت بوحدانيته ونفَّذت أمره وصبرت على قضائه ، استحققت أن تكون إماماً ، أو داعيةً، أو مرشداً ، أو موجِّهاً ، أما أن يسمح الله لك أن تنطق بالحق دون أن تكون في مستواه فهذا بعيدٌ عنك بُعْدَ الأرض عن السماء .
الفصل في خلافات الناس يوم القيامة :
الآن .. هؤلاء الذين يدعون إلى الله لو اختلفوا ، لو وقعوا في خلافٍ فيما بينهم .. أنت على حق ، لا ، بل أنا على حق ، لا أنت مبطل ، لا أنا محق ، أنت انحرفت ، لا أنا لم أنحرف .. هذه الخلافات التي قد تَنشِب بين أئمة الدين ، أو بين المسلمين وغير المسلمين ، أو بين أهل الأديان ، وبين أهل الكفر والطغيان ـ أوسع خلافاً ـ ممكن أن نُقَسِّم أهل الأرض إلى من يؤمن بخالقٍ ومن لا يؤمن بخالق ، الذين آمنوا بالله اختلفوا فيما بينهم :
﴿ وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
( سورة البقرة )
فقد يختلف ..
﴿ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
( سورة السجدة : آية " 25 " )
هو قراره النهائي ، يعني وهو يعلم ، يعلم من هو على حق ، يعلم من هو على باطل ، يعلم الكاذب ، يعلم الصادق ، يعلم الدجَّال ، يعلم المخلص ، يعلم المُسْتَبْصِر ، يعلم الأعمى ، يعلم الوصولي ، يعلم المرتزق بالدين ، يعلم المُبالغ ، وكل الحركات والسكنات في علمه ، إذاً الله عزّ وجل هو الوحيدُ الذي لا أحد غيره ، الذي يحكم يوم القيامةِ على كل إنسان، يقول له : أنت كنت على باطل .
لذلك القرآن الكريم يقدر أنه ليس في الآخرة مُناقشات ، ولا تَبَجُّح ، ولا مُرافعات ، ولا ادعاءات ..
﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ ﴾
( سورة يس : آية " 65 " )
ففي الدنيا مناظرة جرت بين عالم مسلم وعالم آخر من دين آخر ، والمناقشة كان لها صدى كبير ، بعد حين الطرف الآخر وقع متلبساً في جريمة زنا ، فقال له : علامة صدقي أن هذا الكتاب شفا نفسي.. بعد أن وقع في هذه الجريمة أين الشفاء الذي يدَّعيه ؟! فالله عزّ وجل لا بدّ من أن يكشف الإنسان .
أقول لكم هذه الفكرة الخطيرة : بإمكانك أن تخدع الناس إلى أمدٍ قصير ، وبإمكانك أن تخدع بعض الناس إلى أمدٍ طويل ، أما أن يسمح الله لك أن تخدع الناس دائماً ، أو أن تخدع بعض الأشخاص دائماً هذا مستحيل ، لا بدّ من أن يُكشَفَ الإنسان على حقيقته ، والله سبحانه وتعالى يتولَّى كشف الإنسان على حقيقته ، والدليل :
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾
( سورة آل عمران : آية " 179 " )
يخلق ظروفاً صعبة ، فهذا الذي يدَّعي أنه مؤمن ينكشف ، هذا الذي يدَّعي أنه وَرِع ينكشف ، هذا الذي يدَّعي أن محبٌ لله عزَّ وجل ينكشف ، عن طريق الإغراءات والضغوط ، الضغط يكشف والإغراء يكشف .
مثل بسيط : كما تعلمون أن الإسمنت يتحمل قِوى الضغط بشكل كبير ، أي أن السنتيمتر المكعب إذا وضع وفق مواصفات دقيقة فإنه يتحمل خمسمئة كيلو ، أي إذا صُب الإسمنت بنسبة رطوبة محدودة جداً خمسة وخمسين بالمئة ، ومن وزنه ماء بشكل جاف يتحمل هذا السنتيمتر المكعب خمسمائة كيلو ، لكن الإسمنت ، ويا للأسف لا يتحمل قِوى الشد ، لذلك يُسلَّح بالحديد ، ففي معامل الإسمنت قد يأتي مثلاً إسمنت ، ولكن كيف يُفْحَص ؟ تصب منه مكعبات ، ويعلَّق من أعلى ومن أسفل بكفة ميزان ، توضع في هذه الكفة أثقال ، فعلى أي رقم ينكسر أو ينقطع فهذه مقاومته .
فإذا أردنا أن نعمِّم هذه الطريقة على المؤمنين ، فإن كل مؤمن على وزن ما ينقطع ، كل مؤمن على ضغط مُعَيَّن من الشهوات أو ضغوط أخرى أو إغراء تجده ترك الاستقامة ، الله عزّ وجل في معركة الأحزاب قال :
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
( سورة الأحزاب )
وفي المعركة نفسها رجالٌ قالوا :
﴿ وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً﴾
( سورة الأحزاب )
الإنسان في الأعماق إذا اشتد عليه الضغط كشف عن حقيقة نفسه ، قال أحد الأشخاص المحسوبين على أهب الإيمان : " أيعدنا صاحبكم .. لم يقل رسول الله ، فليس محمد صلى الله عليه وسلم عند هذا القائل رسولاً ، انتهى كرسول في نظره .. وقال : " أيعدنا صاحبكم أن تُفتح علينا بلاد قيصر وكِسرى ، وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ؟ " ، وأُناسٌ قالوا : " وصدق الله ورسوله " .
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾
( سورة الأحزاب )
إذاً الإنسان يُمتَحَن ، والآية الكريمة :
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
( سورة العنكبوت )
هل في الأرض جامعة تقبل من طلابها أن يقدِّموا تصريحاً بعلامةٍ يقترحونها هم ؟! وألا يجري أي امتحان ؟ فكل طالب إذاً يقدِّم كتاباً أنه يستحق بالرياضيات ثمانية وتسعين ، ويُمنح هذه الدرجة ، هل يحدث هذا في جامعة في الأرض ؟
﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾
أَيُسْمَحُ لك أن تدَّعي أنك مؤمنٌ ، والله لا يمتحنك ، قل ما شئت ، لكن الله سبحانه وتعالى متكفلٌ أن يضعك في ظرفٍ عصيب ، وظرفٍ دقيق تنكشف على حقيقتك ، تنكشف تماماً كما أنت ، لذلك فالإنسان يجهد في تحسين باطنه لئلا يكشفه الله عزّ وجل .. ومن أسرَّ سريرةً ألبسه الله رداءها .
إذاً :
﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
( (سورة السجدة
معنى آخر للفصل يوم القيامة :
هناك معنىً نضيفه إلى ذلك هو : أن الفصل في كل موضوع للقضاء ، ما الفرق بين المُفتي والقاضي ؟ إذا جئت المُفتي تسأله سؤالاً يقول لك : يا بني هذا حرام ، هل للمُفتي سلطة أن يحملك أن تَدَع هذا الشيء ؟ لا .. أما القاضي إذا احتكمت إليه فلديه سلطة تنفيذية ، قال علماء التفسير : " من لوازم هذه الآية أن الله يفصل بينهم يوم القيامة ، أي يقول : أنتم على حق ، ودونكم الجنة ، فادخلوها ، وأنتم على الباطل ، وعليكم بدخول النار " .
فربنا عزّ وجل لا يكتفي بالفصل ، من لوازم الفصل الجنة أو النار ، أي عندنا مؤَيِّد قانوني ، وعندنا تنفيذ ، قال :
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾
( سورة السجدة )
قد يزور الإنسان مِصْر ، ويرى الأهرامات ، ويرى قبور الفراعنة ، وفي ساعة غفلة قد يغيب عنه أن هذه الآثار من الأدلَّة الصارِخَة على أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم ، وأنهم مضوا إلى أعمالهم يلقون جزاءها ..
﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾
( سورة غافر )
إن الله عزّ وجل لحكمةٍ أرادها ترك بعض الآثار ، ترك في الأرض الآثار ، والآثار لتتعظ بها ، وأن تشعر أن الله سبحانه وتعالى عاقب هؤلاء الأقوام الذين كفروا ، وضلوا ، وانحرفوا عقاباً شديداً ، لذلك :
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ ﴾
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ
أي أما رأوا بأم أعينهم ، وهم في طريقهم إلى الشام منازل عاد وثَمود ؟ وكذلك الأنباط في الأردن ، ماثلة إلى الآن ، أصحاب الحجر ، ترى البيوت ، القصور كلها منحوتة في الجبال ..
﴿ وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً﴾
( سورة الأعراف : آية " 74" )
إلى الآن موجودة ، إذا زار الإنسان القطر الأردني الشقيق بإمكانه أن يصل إلى هذه الآثار ، فهذه تدمر أيضاً ، وهذه مصر فيها الأهرامات ، وهؤلاء الفراعنة ، وهؤلاء الرومان ، وهؤلاء الإسبارطيون .
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾
( سورة السجدة )
هنا أفلا يسمعون ، أن هذه أخبار ..
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾
( سورة السجدة )
مع كل هذا أَفَلَا يَسْمَعُونَ
هذاً الدين عقل ونقل ، الله عزّ وجل سخَّر الكون تسخير تعريفٍ وتكريم ، ومنحك نعمة العقل ، أعطاك عيناً ، وقال : انظر ، فأنت مكلفٌ أن تنظر بعينك ، وأن تحكم بعقلك ، وقد تلا عليك أخبار السابقين ، وقال لك : تأَمَّل ، فحينما تأتيك الأخبار يسألك الله عزّ وجل : أفلا تسمع ؟ وإذا دعاك إلى النظر يقول لك : أفلا تنظر ؟ بين أفلا تسمع وأفلا تنظر مسافةٌ كبيرة ، فأنت يمكنك أن تتلقى العلم عن طريق السماع ، ويمكن أن تتلقى العلم عن طريق النظر ، فأنت بالكون تنظُر في آياته ، أو تتفكَّر في آياته فتعرف الله ، وأنت من خلال الأحداث السابقة تستمِعُ إليها ، وتتأَمَّل بها فتعرف الله ، ومن خلال القرآن الكريم تتدبَّر آيات القرآن فتعرف الله ، فلديك ثلاثة مصادر : الكون مصدر ، الكون للتفكر ، والأحداث للنظر ، والقرآن للتدبُّر ، وأيُّ بابٍ يوصلك إلى الله .. والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق .
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا ﴾
(سورة السجدة : آية " 26 " )
أي إذا شئت أن تعرف الله من خلال أفعاله ، ومن خلال أخبار السابقين .. أي قومٍ انحرفوا أهلكهم الله عزّ وجل ، وأي قومٍ استقاموا أعزَّهم الله عزّ وجل ..
في الأندلس عبرة لمن يعتبر :
لا تبعد كثيراً ، المسلمون حينما فتحوا الأندلس ، حينما كانوا مطبِّقين لأمر الله عزّ وجل جعلهم أقوياء ، وجعل خصومهم ضعفاء ، وحكموا الأندلس قروناً طويلةً ، وازدهر فيها حُكْمُهُم ، وحينما مالوا إلى الترف ، ومالوا إلى شرب الخمور ، واقتناء القيان ، وإلى الموشَّحات ، وما إلى ذلك ألقى الله في قلوبهم الخوف ، فتمزقوا شراذم ، وقوي عليهم أعداءهم حتى أخرجوهم ، وآخر ملك خرج قالت له أمُّه عائشة :
ابك مثل النساءِ مُلكاً مضاعا لم تحافـظ عـليه مثلَ الرجـالِ
***
القضية واضحة جداً ، فالتاريخ في الحقيقة مدرسة ، المسلمون حينما طَبَّقوا منهج الله عزّ وجل رفرفت راياتهم في الآفاق ، فلما تخاذلوا ، وتهاونوا في شأن دينهم اقتحمهم أعداؤهم ، لذلك إذا رأيت شيئاً لا يُرضيك فقل هذه المقولة : " هان الله عليهم فهانوا على الله " . وأنت على مستوى فَرْدي ، إذا كان أمر الله ليس له أي قيمة عندك ، هان الله عليك ، لذلك تَحَمَّل المتاعب ، وتَحَمَّل الضغط ، وتَحَمَّل القهر لأن الله هان الله عليك فَهِنْتَ على الله ، ولو أَعْززت دين ربك لأعزَّك الله ، لو نصرت دين الله لنصرك الله عزّ وجل ..
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
( سورة محمد : آية " 7 " )
لاحظ الآيات :
﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾
( سورة البقرة : آية " 152 " )
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
(( اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ )) .
[ الترمذي عن ابن عباس ]
فالأمور واضحة جداً .
كن مع الله ترَ الله معك
***
﴿ وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾
(سورة المائدة : آية " 12 " )
إذاً إما أن تتجه إلى التاريخ فتعرف الله عزّ وجل ..
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾
( سورة السجدة )
مِن مسالك الاعتبار : يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ
أغادير مدينة في المغرب كانت من أفسق المدن في المغرب ، يرتادُها السياح من شتَّى إيقاع العالم ، وفيها نواد عُراة ، وفيها نوادٍ ليلية ، وفيها موبقات لا يعلمها إلا الله ، في ثلاث ثوانٍ أصابها زلزال فأصبحت قاعاً صفصفاً ، وكان أكبر فندق فيها ، وتُرتكب فيه كل المعاصي ، وكان هذا الفندق مكوناً من ثلاثين طابقاً غاص في الأرض كُلِّه ، ولم يبق منه إلا لوحته التي على الطابق الثلاثين فوق الأرض ، فإذا سار الإنسان في أغادير يرى اسم الفندق على ارتفاعٍ متر واحد ، هذه اللوحة كانت في الطابق الثلاثين ، بقيت مثل الشاهد على القبور ، فعل الله واضح ..
﴿ وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ﴾
( سورة الكهف : آية " 59 " )
إذا كانت قرية لم يُهلكها الله عزّ وجل ، وهي مقيمةٌ على الفجور والآثام فلابدّ أن هناك شيئاً ينتظرها ، لأن ربنا عزّ وجل يقول :
﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
( سورة النحل )
فإذا أردت أن تعرف الله من خلال أفعاله فاقرأ التاريخ ، وأعمل نظرك فيه .
فرعون قال :
﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾
( سورة النازعات )
ما مصيره ؟ أدركه الغرق ، وقال :
﴿ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾
( سورة يونس )
أبو جهل وأبو لهب ماذا كان مصيرهماً ؟ يا أمية بن خلف ، يا شيبة بن ربيعة ، يا فلان ، ناداهم النبي واحداً واحداً بأسمائهم ، قال : أوجدتم ما وعد ربكم حقاً ، فإني وجدت ما وعدني ربي حقا ، لقد كذَّبتموني ، وصدقني الناس ، وأخرجتموني ، وآواني الناس ، وخذلتموني ، ونصرني الناس ، قالوا : أتخاطبُ قوماً جيفوا !! قال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " ..
فهذا الطريق الثاني طريق الكون :
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ ﴾
( سورة السجدة : آية " 27 " )
أي اليابسة ، القاحلة التي لا نبات فيها ..
﴿ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾
الأرض الجرز تخرج الزرع :
تُعَدُّ ظاهرة النبات من أكبر الآيات الدالَّة على الله عزّ وجل ، إذا تركت التاريخ فعليك بالكون ، عليك بظاهرة النبات ، وظاهرة الحيوان ، وظاهرة الماء ، وظاهرة الهواء ، والجبال ، والليل والنهار ، لاحظوا الآية التي تقول :
﴿ أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ¯أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾
( سورة السجدة )
السمع والبصر طريقان إلى الله :
إذاً البصر طريقٌ إلى الله ، والسمع طريق إلى الله ، إما أن تسمع القرآن وإما أن ترى الأكوان ، القرآن كونٌ ناطق ، والكون قرآن صامت ، وإما أن تقرأ سيرة النبي، والنبي قرآنٌ يمشي ، فهناك إذاً قرآن صامت ، وهو الكون ، وكونٌ ناطق ، وهو القرآن ، وقرآن يمشي ، وهو النبي عليه الصلاة والسلام ، الآية الأخيرة :
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
( سورة السجدة : آية " 28 " )
سؤال الاستهزاء لا جواب له :
متى ؟ الجواب يوم كذا ، فجاء الجواب ، قالوا : لأن السؤال سؤال استهزاء ، متى يا أخانا؟ والإنسان أحياناً يستهزئ ، يسأل متى ؟ أي يستهزئ ، فالمُستهزِئ لا يُجاب متى ..
﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾
أي يوم يحكم الله بيننا ؟ :
﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾
( سورة السجدة )
أيْ لو جاء الفتح ، وحُكم على الكفار بالهلاك ، عندئذٍ لا ينفع الندم ..
﴿ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾
أيْ أنَّ الإنسان وصل إلى الطريق المسدود ..
﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾
( سورة السجدة : آية " 30 " )
دعهم وشأنهم ، التفت إلى المؤمنين ..
﴿ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾
( سورة السجدة )
انتظروا وعد الله ووعيده :
ينتظرون بك الهلاك ، ينتظرون لك الهزيمة ، ينتظرون لك السوء..
﴿ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ﴾
( سورة آل عمران : آية " 120 " )
أنت انتظر لهم تنفيذ وعد الله عزّ وجل ، وهم ينتظرون لك السوء ، على كلٍ أعرض عنهم ، والإنسان عليه أن يلتفت إلى أهل الإيمان ، إلى من فيه خير ، إلى من يُرْجى منه الخير ، أما المُعانِد المُكابِر ، المُتناقِض المُستهزِئ ، الفاسق الفاجر ، فدعك منه والتفت إلى الله عزّ وجل .
والحمد لله رب العالمين