سورة لقمان 031 - الدرس (5): تفسير الأيات (13 – 15)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ..."> سورة لقمان 031 - الدرس (5): تفسير الأيات (13 – 15)

لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي. الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات ...">


          مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج أنت تسأل والمفتي يجيب 2: انت تسأل - 287- الشيخ ابراهيم عوض الله - 28 - 03 - 2024           برنامج مع الغروب 2024: مع الغروب - 19 - رمضان - 1445هـ           برنامج اخترنا لكم من أرشيف الإذاعة: اخترنا لكم-غزة-فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله-د. زيد إبراهيم الكيلاني           برنامج خطبة الجمعة: خطبة الجمعة - منزلة الشهداء - السيد عبد البارئ           برنامج رمضان عبادة ورباط: رمضان عبادة ورباط - 19 - مقام اليقين - د. عبدالكريم علوة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 371 - سورة النساء 135 - 140         

الشيخ/

New Page 1

     سورة لقمان

New Page 1

تفســير القرآن الكريم ـ ســورة لقمان- (الآيات: 13 - 15)

07/04/2012 18:45:00

سورة لقمان (031)
 
الدرس (5)
 
تفسير الآيات: (13 – 15)
 
 
لفضيلة الأستاذ
 
محمد راتب النابلسي
 
 

 
 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
 
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
 
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الخامس من سورة لقمان ، وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
      
﴿وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ¯وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
نقف عند كلمة :
       
﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾
1 – كيف تستخدم البيان والكلام ؟
أي أن هذا البيان الذي علَّمه الله الإنسان ، هذه الميزة التي خَصَّه الله بها ، كيف يستخدمها ؟ كما أن الإنسان بالبيان يرقى إلى الواحد الديَّان ، كذلك بالبيان ، واللغة ، والكلام يهوي إلى أسفل سافلين  ..(( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)) .
[سنن الترمذي عن أبي هريرة ]
هناك كلمة كفر ، وكلمة فسق ، وكلمة عصيان ، وكلمة استهزاء ، وكلمة جحود ، وكلام  تطاول ، وكلمة تحدٍّ ، هناك معاصٍ يرتكبها اللسان لا تُعَدُّ ولا تحصى ، كما أن الإنسان باللسان يرقى إلى أعلى عليين ، كذلك الإنسان باللسان يهوي إلى أسفل سافلين .
إذاً : الخصائص النفيسة التي خصَّ الله الإنسان بها خصائص حياديَّة يمكن أن تستخدم في الحق ، ويمكن أن تستخدم في الباطل ، وهل نشر الكفر إلا عن طريق اللغة ، والبيان ،  والخطابات ، والتأليف ، والنشرات وما إلى ذلك ؟ هل نشر الضلال إلا عن طريق اللغة ؟ هل نشر الفتن ، هل تحريض الناس على ارتكاب المعاصي إلا عن طريق اللغة ؟ وهل دعوة الأنبياء إلا عن طريق اللغة ؟ الهدى يتمُّ عن طريق اللغة ؛ والإضلال يتمُّ عن طريق اللغة ، إذاً : هذا البيان الذي خصَّ الله به الإنسان كيف يستخدمه ؟
2 – استخدام لقمان الحكيم اللغة لبيان الحق :
سيدنا لقمان استخدمه في بيان الحق ، فأنت حينما تشعر أن الله أعطاك هذا اللسان ، أعطاك هذه العين لترى بها عورات المسلمين ؛ أم لترى بها ملكوت السماوات والأرض ؟  أعطاك هذه الأذن لتستمع بها إلى الغناء والباطل والغيبة والنميمة ؛ أم لتستمع بها إلى الحق ، أعطاك هذه اليد لتبطش بها ؛ أم لتعين بها الضعيف ؟ أي أن كل شيءٍ أعطاك الله إياه يمكن أن يوظَّف للحق كما يمكن أن يوظَّف للباطل ، هذا هو الاختيار ، سيدنا لقمان وظَّف اللغة ، وظَّف البيان ، وظَّف القول لنشر الحق ..
       
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ ﴾
3 – إِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ :
بالمناسبة الإنسان الذي لا يَمُتُّ إليك بصلة إن هديته ، وإن لم تهده فهناك من يهديه ، أما ابنك ليس له إلا أنت ، فأن تهدي ابنك هذا عملٌ عظيم ، لقول النبي عليه الصلاة والتسليم :
(( إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ ، وَإِنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ كَسْبِهِ )) . 
[النسائي عن عائشة ]
لأنه جزءٌ منك ، ولأنه امتدادٌ لك ، ولأنه صدقةٌ جارية ، طبعاً..
(( إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ )) .
[ مسلم عن أبي هريرة]
المؤمن يسأل الله عزَّ وجل ذُرِّيَةً صالحة  ..
 
] رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن [ .
(سورة الفرقان25)
تقرُّ به العين .
إذاً :
      
﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾
هذا البيان الذي خصَّ الله به الإنسان ، كيف يستخدمه ؟ تعلَّمت اللغة ، تعلَّمت القراءة والكتابة لتقرأ ماذا ؟ لتقرأ قصصاً ماجنة ؛ أم لتقرأ كتاب الله ؟ لتقرأ موضوعاً يزيدك علماً وقرباً ؛ أم لتقرأ موضوعاً يزيدك بعداً وانحرافاً ؟ هذه اللغة ، فاللغة عاملٌ حيادي ، إما أن ترقى بها إلى أعلى عليين ؛ وإما أن تهوي بها إلى أسفل سافلين ، فربنا عزَّ وجل يبين كيف أن الهداية تتمُّ عن طريق البيان ، والحوار ، والسؤال ، والجواب ، والتعليق ، والاستيضاح ..
       
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾
 
 وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ
 
1 – منزلة الموعظة :
      كلمة الوعظ لها الآن في هذا العصر وقع غير مَرْضِي عنه ، يقول لك : أخي كفاك مواعظ ، إياك أن تعظ الناس ، فكلمة وعظ ليست كلمةً محبَّبة ، ما السبب ؟ الحقيقة وأنا أقول لكم : إن أتفه عملٍ ـ دقِّقوا في كلامي ـ إنَّ أتفه عملٍ تفعله في حياتك أن تعظ الناس ، أتفه عمل ، وقد تستغربون ، وإن أعظم عملٍ تفعله في حياتك أن تعظ الناس ، أعظم عمل لا يرقى إليه عمل ، ولا يسمو فوقه عمل ، ولا يطمح إنسانٌ أن يصل إليه أن تكون واعظاً ، وأتفه عملٍ هو أن تكون واعظاً ، كيف ذلك ؟
هذا الكلام فيه تناقض ، والحقيقة إذا كان الوعظ عملية قراءة كتاب ، وحفظ بعض المعلومات ، وإلقائها على الناس ، وجذب وجوه الناس إليك ، والله هذا أتفه عمل ، لأنه سهل لا يكلِّف شيئاً ؛ بل يجلب نفعاً ، وميزاتٍ ، ووجاهةً ، وهكذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( مَنْ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، وَيُجَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ جَهَنَّمَ )) .
[ من سنن ابن ماجة عن أبي هريرة]
2 – حقيقة الموعظة بين الواعظ والموعوظ :
إنه سهلٌ جداً أن تعظ الناس ، ولا يعرف الشوق إلا من يُكابده ، فأن تقول للناس : ادفعوا أموالكم ، أنفقوا ، والله هذا سهل ، أما حينما تنفق أنت ، تعرف معنى الإنفاق ، الإنفاق يحتاج إلى جهد ، هذا المال مُحَبَّب ، والله عزَّ وجل قال :
 
] زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ [ .
(سورة آل عمران)
المال محبَّب ، الله عزَّ أودع حبَّ المال في قلوب البشر ، فإنفاق المال يحتاج إلى مخالفة لطبيعة النفس ،هنا التكليف ، فالحقيقة أن يقول الإنسان للناس : أنفقوا أموالكم ، فالقضيَّة سهلة جداً لا تكلِّفه إلا حركات في فمه ، وإخراج حروف على نحو معيَّن ،قال الله تعالى ، قال عليه الصلاة والسلام ، فالموعظة على مستوى أن تقرأ شيئاً ،وأن تلقيه على أسماع الناس عمليةٌ في منتهى البساطة والسهولة ، بل إنها أتفه عملٍ تفعله ، يبدو أن الناس حينما رأوا من يعظهم ،وهو ليس في مستوى وعظه ، وحينما رأوا أن هناك من يحترف الدين ، أو من يرتزق بالدين ، أو من يُنَصِّبُ نفسه واعظاً ،وهو ليس في مستوى الوعظ ، هذه الممارسات الخاطئة ، وهذه الأعمال التي ينفر منها الناس ، هي السبب في أن كلمة وعظ ليست محبَّبَةً عند الناس ، ولكن الأنبياء وعظوا ، أنفقوا من مالهم ثم تكلموا .
 
قصة  وعبرة :
 
هناك قصَّة معروفة عندكم : عبدٌ له سيِّد ، ولهذا السيِّد شَيْخ ، وكان هذا الشيخ يأتي دار تلميذه من حينٍ إلى آخر ، فيرى هذا العبد احتفال سيده الكبير بشيخه ، فخطر في باله أن يسأله أن يأمر سيده أن يعتقه ، ففعل ، فقال هذا الشيخ : أفعل إن شاء الله ، ومضى أسبوعٍ تلو أسبوعٍ تلو أسبوعٍ ، ولم يحدث شيء ، فزاره مرَّةً ثانية ، أعاد عليه الطَلَبَ مرة ثانية فقال : أفعل إن شاء الله ، ومضى شهرٍ تلو شهرٍ تلو شهرٍ ، ولم يحدث شيء ، وزاره مرَّةً ثالثة ، وأعاد عليه الكرَّة ، وقال له الشيخ : أفعل إن شاء الله ، وبعد أسبوعين استدعاه سيده ، وأعتقه بناءً على توصية شيخه .
دار سؤالٌ كبير في ذهن هذا العبد : ما دام هذا التوجيه لا يكلِّف الشيخ إلا كلمةً يقولها لسيده ، فَلِمَ لمْ يقلها منذ أشهر طويلة ؟ التقى به ، وسأله هذا السؤال ، قال له : يا ولدي ، لقد كلَّفتني شيئاً كبيراً ، لقد اقتصدت من نفقتي مبلغاً أعتقت به عبداً ، وبعدئذٍ أمرت سيدك أن يعتقك .
هذه قصَّةٌ لها مغزى كبير ، أي أنك إذاطبَّقت وأخلصت يجعل الله في كلامك سراً ، والتطبيق بلا إخلاص غير مقبول ، والإخلاص من دون تطبيق لا يكون أساساً ، لو طبَّقت أمر الله عزَّ وجل ، وأخلصت في تطبيقه ، يجعل الله في كلامك روحانيّةً وسرَّاً تهفو القلوب إليها ، هكذا قال عليه الصلاة والسلام :
(( ما أخلص عبدٌ لله إلا جعل قلوب المؤمنين تهفو إليه بالمودَّة والرحمة )) .
[ ورد في الأثر ]
 
كلمات تغيّر مفهومها بمرور الزمن :
 
1 – كلمة ( الموعظة ) من الكلمات التي تغيَّرت نظرة الناس إليها :
إذاً : وعظ ـ وإن كان كلمة قاسية ـ فهو من أتفه الأعمال التي يفعلها الإنسان ، إذا كان هو في واد ووعظه في واد ، يأمر بما لا يأتمر ، ينهى عما عنه لا ينتهي ، يدعو الناس إلى شيء وهو بعيدٌ عنه ، يأمرهم بشيء ولا يسبقهم إليه،ما سرُّ عظمة الأنبياء ؟ يمكن أن نجمِّع هذا السر في كلمةٍ واحدة : أنهم قالوا بألسنتهم ما فعلوه في حياتهم ، ليس في حياة الأنبياء ازدواجيَّة ، ليس في حياة الأنبياء اثنينيَّة ، ليس في حياة الأنبياء ظاهرٌ وباطن ، خلوةٌ وجلوة ، حياة الأنبياء كلٌ موحَّد ، والمؤمن كذلك ؛ ما في قلبه على لسانه ، ما في لسانه في قلبه ، سرُّه كعلانيَّته ، سريرته كظاهره ، وحينما يكون هناك وعَّاظ كلامهم في واد وعملهم في واد ، يرتزقون بالوعظ ، ويطلبون الدنيا منه ، عندئذٍ تسقط هذه الكلمة ( الوعظ ) ، و يراها بعض الناس في الحَضيض ، لكن ربنا عزَّ وجل قال :
 
]وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا[ .
(سورة النساء63)
            وكذلك :
 
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾
فالوعظ يستطيعه كل من أوتي لساناً وأثراً من عِلْمٍ ، كمن أوتي شيئاً من علمٍ ، قرأ كتاباً في التفسير ، قرأ كتاباً في الحديث ، قرأ كتاباً في الفقه ، سمع بعض القصص ، أي إنسان اطلع على بعض المعلومات ، وله لسان طليق بإمكانه أن يعظ الناس ، ولكن هذا الإنسان لا يُجْرِي الله الخير على يديه ، لأنه ليس صادقاً ، وليس مخلصاً ، أما إذا كنت مطبِّقاً لما تقول ، صادقاً فيما تقول ، مخلصاً فيما تقول ، عندئذٍ يصبح الوعظ أعلى عملٍ ، وأشرف عملٍ ، وأغلى عملٍ يفعله الإنسان ، عندئذٍ تأخذ كلمة الوعظ بريقاً .
أضرب لكم بعض الأمثلة :
2 – كلمة ( جرثومة ) :
هناك كلمات كان لها بريق ، ثمَّ خبا بريقها بسبب نوع استعمالها ، فمثلاً : كلمةجرثومة هي أصل الشيء ، يأتي شاعر إلى خليفةٍ عظيم ، فيمدحه بقصيدةٍ ويقول له :
أنت جرثومة الدينِ    والإسـلامِ والحسبِ
***
يقول : أنت أصل الدين ، وأنت أصل الإسلام ، أما حينما اكتشفت كائنات حيَّة لا تُرى بالعين ، وهي أصل الأمراض ، سميت جراثيم ، فإذا قلت لإنسان الآن صديقٌ لك في معمل أو في وظيفة : أنت جرثومة هذه الدائرة ، إنها ذنب ، فانظروا كيف أن هذه الكلمة حينما كانت تستعمل بطريقةٍ معيَّنة كان لها بريق ، وعندما استعمِلَت بطريقةٍ أخرى خبا بريقها .
3 – كلمة ( عصابة ) :
كلمة وعظ ، كلمة عصابة ..
(( اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ )) .
[ مسلم ]
هذا دعاء النبي ، والعصابة : الجماعة ، أما حينما استخدمنا كلمة العصابة لقطَّاع الطرق والمجرمين فقد أصبح لهذه الكلمة معنىً آخر ، فالكلمة كالكائن الحي كما يقول علماء اللغة : تولد ، وتنمو ، وتصبح شابَّةً ، وتشيخ ، وتموت ، الكلمة كائن حي ، هكذا عرَّفها علماء اللغة ، فكلمة الوعظ الآن مرفوضة ، فإذا أردت أن تعلِّق تعليقاً ساخراً على كلام تقول : لا تَعِظْنَا ، لكن ربنا عزَّ وجل يقول :     
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾
إذا وجد صدق ، إنسان امتلأ علماً ، وامتلأ حباً لله ، وامتلأ انضباطاً بأوامره ، وامتلأ استقامةً على أمره ، هذا إذا أراد أن ينشر الحق ، أن ينشر الفضيلة ، أن يدعو إلى الله عزَّ وجل ، هذا أشرف عمل ، أما إنسان فارغ ، لكن أراد أن يتَّخذ من الوعظ رزقاً ، ودنيا ، ومكسباً رخيصاً ، هذا الإنسان له شأنٌ آخر ، هذا تعليقٌ طفيف على كلمة :
 
      
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
 
1 – التوحيد من أصول الدين :
       كنت قبل أشهر ضربت مثلاً لأوضِّح فيه معنى الشرك ، الحقيقة الإسلام فيه أصول ، وله فروع ، من أصول الإسلام التوحيد ، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد ، وما من مشكلةٍ نُعاني منها إلا بسبب نقص في توحيدنا ، متاعب الإنسان ، مشكلاته النفسيَّة كلها بسبب الشِرك..
 
]فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ[ .
(سورة الشعراء213)
        الأمر كله بيد الله ..
 
 
]وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْه[ .
(سورة هود)
ِ
[فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ¯إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[.
(سورة هود56)
2 – التوحيد من أصول الدين :
حينما يشرك الإنسان ، حينما ينسب لزيدٍ أو لعُبَيْدٍ فعلاً ، حينما يظنُّ أن فلاناً بإمكانه أن يفعل كذا وكذا ، حينما يُعِّلق آماله على زيد أو عبيد ، على فلان أو علان فقدأشرك ، والحقيقة كما قال بعض العلماء : نهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى ، فأرقى عمل أن تطيع الله عزَّ وجل ، وأرقى علم أن توَحِّد ، فليس عجباً أن يكثِّف الله عزَّ وجل فحوى دعوة الأنبياء كلِّهم بالتوحيد ..
 
]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِي[.
(سورة الأنبياء25)
3 – الدين كلُّه توحيد :
        فإذا أردت أن أضغط لك الدين كلَّه بكلمتين أقول لك : وحِّد واعبد ، آمن بأنه لا إله إلا الله ، آمن بالله خالقاً ، ورباً ، ومسيراً ، وآمن به ، وبوحدانيَّته ، وبكماله،آمن بوجوده ، وبوحدانيَّته ، وبكماله ، آمن بأسمائه الحسنى وصفاته الفُضلى ، إذا آمنت ووحدت فقد بلغت قمَّة العلم ، لأن فحوى دعوة الأنبياء كلِّهم هو التوحيد ، والعمل لا يصلح إلا بالعبادة .
4 – ما هي العبادة ؟
العبادة كما تعرفون طاعةٌ طوعيَّة ، فأنت في أرقى مستوياتك حينما تطيعالله عزَّ وجل في كامل أوامره ، وتنتهي عن كل ما نهى عنه ، العبادة كما تُعرَّفُ دائماً : طاعةٌ طوعيَّةٌ ممزوجةٌ بمحبَّةٍ قلبيَّة ..
 
]فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا[ .
أي مائلاً ..
 
]فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[.
(سورة الروم 30)
طاعةٌ طوعيَّةٌ ، ممزوجةٌ بمحبَّةٍ قلبيَّةٍ ، تسبقها معرفةٌ يقينيةٌ ، تفضي إلى سعادةٍ أبديَّة .
يقول لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه :
      
﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
 مثالٌ واقعي لبيان الشرك :
 
      ضربت مثلاً مراراً وسأعيده ثانياً : إنسان مهمَّته أن يصل إلى حلب ، وهناك سيأخذ مبلغاً كبيراً في وقتٍ محدَّد ، توجَّه إلى محطَّة القطار ، فإذا ركب القطار الذاهب إلى حلب ، ولو ارتكب آلاف الأخطاء ، أو عشرات ، أو مئات ، فقد يدفع ثمن بطاقةٍ في الدرجة الأولى ، ويجلس في الدرجة الثالثة ، ولكنَّه يصل ، وقد يتضوُّر جوعاً ، وفي القطار مركبة تبيع بعض الأطعمة وهو لا يدري ، وقد يركب في مقعدٍ معاكسٍ لاتجاه  القطار فيصاب بالدوار ، يحدث هذا لكنه يصل ، وقد ، وقد ... وقد يقبع في مقطورةٍ فيها شباب يصيحون ، ويمزحون ، وهو في سن غير هذا السن فينزعج ، وقد يركب في مركبة فيها طفل صغير كثير البكاء وينزعج ، وقد، وقد ... لكن هناك خطأً إذا ارتكبه لا يغتفر ، وهو : أن يتجه إلى مقطورةٍ واقفةٍ لا علاقة لها بالقطار المتوجِّه إلى حلب ، فكل هذه الأغلاط تُصَحَّح وتنتهي ، والقطار يصل .
إذا آمن الإنسان بالله عزَّ وجل ، آمن به خالقاً ، آمن به رباً ، آمن به إلهاً ، آمن بوجوده ، وآمن بوحدانيَّته ، وآمنبكماله ، فكَّر في الكون فعرفه ، قرأ القرآن فعرفه ، تأمَّل في الحوادث فعرفه ، المؤمن مذنب توَّاب ، كل بني آدم خَطَّاء ، لكن إذا ادعى أن مع الله إلهاً آخر فهذه مشكلة كبيرة ، إذا اتجهت إلى جهةٍ لا تملك لك نفعاً ولا ضراً ، لا تملك لنفسها نفعاً ولا ضراً ، فلأن لا تملك لك من باب أولى ، هنا المشكلة أن تعقد آمالك على زيد .. قصة في
 
التوحيد من حياة السلف :
 
ثمة قصَّة معروفة عندكم ، عندما جاء توجيه من أحد خلفاء بني أميَّة لوالي البصرة ، وكان عنده الحسن البصري رضي الله عنه ، يبدو أن هذا التوجيه مخالفٌ لبعض القواعد الدينيَّة ، وقع هذا الوالي في حيرة، ماذا يفعل ؟ أمرٌ جاء من أعلى ، فإن نفَّذه وقع في إثم ، وإن لم ينفِّذه وقع في سخط السلطان ، سأل الإمام الحسن البصري وقال : ماذا أفعل ؟ قال الحسن البصري كلمةً : " إن الله يمنعك من يزيد ، ولكن يزيد لا يمنعك من الله " .
أي مخلوق إذا أطعته ، وأسخطت الله عزَّ وجل ، هذا المخلوق لا يمنعك من الله ، ولكنك إذا أرضيت الله عزَّ وجل ، ولم تبالِ بسخط هذا المخلوق ، الله عزَّ وجل يمنعك منه ، هذا هو التوحيد .
إذاً :
      
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ﴾
 
خطورة الشرك : 
 
إيَّاك والشرك ..
 
]إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ[ .
(سورة النساء 48)
1 – خطورة الشرك الخفي :
طبعاً على مستوى العالَم الإسلامي ليس هناك شركٌ جَلِي ، ليس هناك صنمٌ يُعْبَد ، لا ، ولكن هناك شركٌ خفي ، وقد ورد في بعض الأحاديث :
((إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَى أُمَّتِي الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ ، أَمَا إِنِّي لَسْتُ أَقُولُ : يَعْبُدُونَ شَمْسًا ، وَلا قَمَرًا ، وَلا وَثَنًا ، وَلَكِنْ أَعْمَالا لِغَيْرِ اللَّهِ ، وَشَهْوَةً خَفِيَّةً )) .
[سنن ابن ماجة عن شداد بن أوس]
(( الشرك أخفى في قلب ابن آدم من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة ، وأدناه أن تبغض على عدلٍ ، وأن تحبَّ على جورٍ )) .
[تخريج أحاديث الإحياء ]
أن تحبَّ إنساناً ليس كما يجب أن يكون ، تحبه لمصلحةٍ ، فهذا أحد أنواع الشراك ، وأن تغضب لنصيحةٍ وُجِّهَت إليك ثأراً لمكانتك ، فهذا أحد أنواع الشرك ، وإما أن تجعل من نفسك ومن شهواتك إلهً ، وهكذا قال الله عزَّ وجل ، الآية الكريمة هي :
 
] أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [ .
(سورة الفرقان 43)
2 – الأخذ بالأسباب والتوكل على الله :
إما أن تجعل من أهوائك آلهةً تعبدها ، وإما أن تجعل من بعض الناس آلهةً ترضيهم بسخط الله ، فكيف تدعو فلاناً إله ؟ هذا شيء قد يكون له جواب ، حينما تعلِّق عليه الآمال ، وحينما ترجو رضاه ، وتخاف من سخطه ، على حساب طاعتك لله عزَّ وجل ، وعلى حساب دينك ، فهذا هو الشرك ، وقد يكون هذا الشرك شركاً جلياً ، فلذلك الشيخ محي الدين رضي الله عنه ، له تعريف دقيق يقول فيه : " إذا أخذت بالأسباب واعتمدت عليها فهذا شركٌ خفي ".
مثلاً : أجريت مراجعة لمركبتك ، وقال لك المختص : حالتُها جيِّدة جداً ، فقلت : لن يحدث معي شيءٌ في هذا السفر ، هذا شرك ، لأنك أخذت بالأسباب ، واعتمدت عليها ، المؤمن يأخذ بالأسباب ويعتمد على الله ، إن لم يأخذ بالأسباب فقد عصى ، وإن أخذ بالأسباب ، واعتمد عليها فقد أشرك ، وخلطٌ دقيقٌ جداً بين أن تأخذ بالأسباب وتعتمد عليها ، وبين أن لا تأخذ بالأسباب ، في الأولى أشركت ، وفي الثانية عصيت ، المؤمن يأخذ بالأسباب ، ويتوكَّل على ربِّ الأرباب ، في اللحظة التي تقول فيها : أنا ؛ مُعْتَدَّاً بنفسك ، مُعْتَدَّاً بعلمك ، مُعْتَدَّاً بمالك ، مُعْتَدَّاً بصحَّتك ، مُعْتَدَّاً بقوَّتك ، فقد أشركت ، وإذا أشرك الإنسان سقط من السماء إلى الأرض .
3 – ما هو الجهل ؟
فما هو الجهل ؟ الجهل كل شيءٍ خلاف الواقع ، يعرِّفون العلم بأنه : علاقةٌ ثابتةٌ مقطوعٌ بصحَّتها ، يؤيِّدها الواقع ، عليها دليل،فإن لم تكن هذه العلاقة ثابتةً ، فليست علماً ، إن لم يكن مقطوعاً بصحَّتها ، هي إذاً شكٌ ، أو وهمٌ ، أو ظن ، إن لم يكن عليها دليل فهي تقليد ، إن لم تكن مطابقةً للواقع فهي جهل ، كل شيءٍ يخالف الواقع فهو جهلٌ ، إذاً أنت حينما تتجه إلى إنسان معلِّقَاً عليه الآمال ، وهذا الإنسان ضعيف ، فلو أن الله عزَّ وجل جَمَّدَ ذرَّةً من دمائه في بعض شرايين دماغه لفقد ذاكرته ، في مكان آخر أصبح مشلولاً ، في مكان ثالث أصبح أعمىً ، في مكان رابع اختلَّ توازنه العقلي ، إذاً : هذا الذي تعتمد عليه هو بيد الله عزَّ وجل ، فقوامه ، وملكاته وأجهزته وأعضاؤه كلها بيد الله ، فإذا اتجهت إلى مخلوق ، وتركت الخالق فهذا جهل ، لأن الواقع خلاف ذلك .. هناك آية أبلغ :
 
] قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا [.
(سورة الأعراف 188)
إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسهنفعاً ولا ضراً ، فلأن لا يملك للآخرين نفعاً ولا ضراً من باب أولى .
 
 بين الهدى البياني والهدى التوفيقي :
 
لو قال لك إنسان : أريد أن يلتقي بك ابني كي تهديه إلى الله ، وكأنه يظن أن كلمة منك تكفي لهدايته ، فقلت له : والله أنا ابني ليس كما أريد ، ما معنى هذا الكلام ؟ معناه لو كان بالإمكان أن أصنع الهُدى في نفس إنسان لفعلت هذا مع ابني ، ولكن الله يهدي من يشاء ..
 
 
] إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [.
(سورة القصص56)
إنك لا تستطيع أن تخلق أثر الهدى في النفس الإنسانية ، ولكن :
 
]وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [ .
(سورة الشورى52)
 
مجمل هذا الكلام بمعنى أنك من حيث التبليغ تهدي إلى صراطٍ مستقيم ، أما من حيث إحداث الأثر فهذا ليس بيدك ، لأن الإنسان مخيَّر .
        
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
الشرك ظلمٌ عظيم : 
ظلمٌ لمن ؟ ظلمٌ لصاحبه ، فإذا أشرك الإنسان ، وأمضى حياته متجهاً إلى غير الله ، وانقضت حياته ، وجاءت الحياة الأبديَّة كان خاسرًا ، لذلك في القول المأثور : " إن الميت حينما يوضع في قبره يقول الله عزَّ وجل له : " عبدي ، رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ، ولم يبق معك إلا أنا ، وأنا الحيُّ الذي لا يموت " .
إذا أمضى الإنسان كل حياته مع الناس ، زيد وعَبيد ، وفلان ، والجهة الفلانيَّة ، وحقَّق نتائج كبيرة جداً ، ارتقى إلى أعلى المراتب ، وحَصَّل أكبر الأموال ، فجاء ملك الموت ..
 
       
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
كل شيءٍ حصَّله يفقده في ثانيةٍ واحدة ، فالبطولة ليس أن تعيش في الدنيا مرفوع المَقَام ، ولا كثير المال ؛ البطولة أن تلقى الله عزَّ وجل وهو راضٍ عنك ، أن تعرفه في الدنيا كي تسعد بهذه المعرفة في الآخرة، أما إذا أمضيت الحياة الدنيا في الشِرك ، فأنَّى لك أن تستطيع أن تسعد بالله في الآخرة ؟!
 
      
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
إذا كان العظيم قال عن شيء إنه : عظيم ، فما قولك ؟
مثلاً : لو قال لك طفلٌ صغير : أنا معي مبلغٌ كبير ، كم تُقَدِّره ؟ طفل في صف أول ابتدائي ، قال لك : أنا معي مبلغ كبير ، أي خمس ليرات ، عشر ، خمس عشرة ، مئة ، أما إذا قال لك إنسان تاجر كبير جداً : أنا معي مبلغ كبير ، فكلمة كبير إذا قالها طفل فلها معنىً ، وإذا قالها طفل لها معنىً آخر ، تقول : له مئتا عمود ، أي مئتا مليون ، أنت لا تعرف مقدارها ، كلمة عظيم من غني تختلف عنها من طفل ، فإذا قال ربنا عزَّ وجل :
 
      
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
إذا قال العظيم عن الشرك : إنه شيءٌ عظيم ، فكم هي عظمة الشرك ؟ فالشرك كل سعادتك بهذه المدينة ، وكل المشكلات تُحلُّ إذا وصلت لهذه المدينة ، واتجهت إلى مقطورةٍ لا علاقة لها بالقطار الذاهب إلى المدينة ، هذا هو الشرك ، المركبة واقفة ، أما هي فإنها فخمة من الداخل ، لَفَتَ نظرك فخامتها ، لفت نظرك مقاعدها ، لفت نظرك جُدرانها ، لفت نظرك أناقتها ، لكنها واقفة ، وأنت كل مشكلتك بالوصول إلى المدينة ، فإذا اتجهت إلى مركبةٍ لها علاقة بالقطار ، وصلت ، وقد ترتكب في هذه السفرة عشرات الأغلاط كلها مغفورة ، أما الغلط الذي لا يغتفر أن تتجه إلى مركبةٍ لا علاقة لها بالقطار ، وإذا توجَّه الإنسان إلى إنسانٍ آخر ، أو إلى جهةٍ ، أو إلى جماعةٍ ، أو إلى أي شيء ، واعتقد به القوَّة والغنى ، وأنه يعطي ويمنع ، ويرفع ويخفض ، ويعز ويذل ، وهو ليس كذلك ، فهذا جهل ..
 
     
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
لذلك ما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد ، اسمع آية التوحيد  ..
 
] فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ¯إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [.
(سورة هود 56)
من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام الجامعة المانعة الموجزة البليغة أنه قال :
(( وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ)) .
[ صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
 
 لا خوف للعبد إلا من الذنب والمعصية :
 
(( لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ، ولا يرجونَّ إلا ربَّه )) .
[ كنز العمال موقوفا عن علي ]
أية جهةٍ مهما كانت مُخيفة لا ينبغي أن تخاف منها ، لماذا ؟ لأنها بيد الله الذي :
 
] لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [ .
(سورة الأعراف)
] اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [ .
(سورة الزمر62)
خَلَقَ مخلوقات قويَّة ، وخلق مخلوقات لها وضع مخيف ، ولكن الله عزَّ وجال مالِكُها ، فالمؤمن لا يخاف إلا من الله ،  يا موسى خف ثلاثاً ، خفني ، وخف نفسك ، وخف من لا يخافني ،أي لاتأمن له ،(( لا يخافنَّ العبد إلا ذنبه ، ولا يرجونَّ إلا ربَّه )) .
الشيء الذي ينبغي أن تخاف منه هو أن تُخْطِئ ، أن تنحرف ، أن تأكل حقوق الآخرين ، أن تطغى عليهم ، أن تبغي ، أن تتجاوز الحد ، من هذا فَخَفْ ، لأن الله عزَّ وجل بالمرصاد ، أما جهةٌ قويَّةٌ مخيفةٌ فهي بيد الله ..
 
] فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ ¯إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [.
(سورة هود 56)
         هذا معنى :
 
 
﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾
 
      
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
 
 وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ
 
1 – المجانسة بين المعطوف والمعطوف عليه :
الآن عندنا ملاحظة : أن الله سبحانه وتعالى حينما يعطف شيئاً على شيء ، العطف يقتضي التجانس ، أو المقاربة ، فأنت مثلاً لا تقول : والله اشتريت أرضاً وملعقةً ، لا يتناسبان ، تقول : اشتريت أرضاً وحانوتاً ، اشتريت بيتاً ومركبةً ، اشتريت كتاباً ودفتراً ، اشتريت ملعقةً وشوكةً ، العطف يقتضي التقارب .
2 – بر الوالدين معطوف على طاعة الله :
فربنا عزَّ وجل رفع برَّ الوالدين حينما عَطَفَهُ على طاعته ..
 
] وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [.
(سورة الإسراء)
وهذه الباء لها تفسير لطيف جداً أنتم تعرفونه ، كلمة أحسن في اللغة يرتبط بها إلى ، لا الباء ، فعل أحسن يتعدَّى بـ ( إلى ) ، أما ربنا عزَّ وجل فعدَّاه هنا بالباء ، والباء من معانيها الإلصاق ، لأن الإحسان إلى الوالدين لا يُقْبَل إلا منك بالذات مباشرةً ، فإنسان في بحبوبحة ، عنده سائق ، يقول للسائق : خذ والدي إلى نزهةٍ ، هذا غير مقبول ، خذ لوالدي هذه الفاكهة ، لا ، يجب أن تقدِّم الفاكهة بذاتك لوالديك ، يجب أن تأخذه إلى النزهة بنفسك ، لأن الإحسان إلى الوالدين لا يُقْبَل إلا من الابن بالذَّات ، هذا معنى قوله تعالى :
 
] وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ .
ربنا عزَّ وجل رفع برَّ الوالدين حينما عطفه على عبادة الله عزَّ وجل ..
 
] وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [ .
(سورة الإسراء)
         وهنا :
       
﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ¯وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ﴾
3 – طاعة الوالدين بين الطاعة والطبع :
إذا كان الله عزَّ وجل هو الخالق ، فوالداك السبب في وجودك ، السبب الذي جعله الله،لأن الله المسبِّب وهما السبب ، طبعاً هناك شيءٌ آخر هو : أن الله سبحانه وتعالى أودع في قلب الأمَّهات والآباء حبَّاً لأولادهم ، وهذا سرُّ الخَلق ، أنت تجد الأم ، أيَّةَ أم في قلبها من الرحمة بابنها الشيء الذي لا يوصف ، لذلك أي شيءٍ موجود طبع الإنسان لم يكلفبه أغفله ، أما التكليف جاء ليُطالبك بما ليس في طبعك  ، كيف ؟ من طبعك أن تقبض المال ، التكليف أمرك أن تنفقه ، من طبعك أن تنام ، التكليف أمرك أن تستيقظ ،  من طبعك أن تتحدَّث عن قصص الناس لأن هذا شيءٌ مسلٍ ، التكليف أمرك أن تضبط لسانك ، من طبعك أن ترى هذه الأم ، وقد كبرت سنُّها أصبحتْ عبئاً عليك ، وأن تلتفت إلى زوجتك ، التكليف أمرك أن تعتني بأمِّك .. يا رسول الله من أعظم الرجال في حقِّ المرأة فقال : " زوجها " ، فلمَّا سُئل : من أعظم النساء في حقِّ الرجل قال : " أمُّه ..
      
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾
الأم مفضَّلة على الأب ، قال عليه الصلاة والسلام :
(( أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أَبُوكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ ، أَدْنَاكَ )) .
[صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
      
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾
 
حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ
 
ما هو الوهن ؟
الوهن هو الضعف ، ما معنى وهن على وهن ؟ هذه تشبه ظلٌ ظليل ، أي أن الضعف يتنامى ، كلمَّا كبر حجم الجنين ازدادت حاجته إلى الغذاء، والجنين إما أن يأتيه الغذاء ، وإما أن يأخذ من أمِّه الغذاء ، أي أنه يحتاج إلى كلس ، فإما أن تشرب أمُّه الحليب بكميَّاتٍ جيِّدة حتَّى تؤمِّن له هذا الكلس ، إما إذا قصَّرت فالجنين يأخذ الكلس من عظامها ومن أسنانها ، ف إذا أهمل الإنسان تغذية زوجته الحامل يدفع الثمن باهظاً ، كان بثمن حليب صار بطب الأسنان ، لأن الجنين يأخذ من كلس أمِّه إن لم يكن في غذائها ما يكفيه ، هذا معنى :
 
       
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾
 
كلَّما كبر حجم الجنين ازدادت حاجته ، وأخذ من جسمها ، من قوَّتها ، من حيويَّتها ، من أعضائها ..
 
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ
 
1 – مدة الرضاع عامان كاملان :
 
 
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾
 
 
 
]وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَة[ .
(سورة البقرة(َ
فتمام الرضاعة حولان كاملان ، وفي آية أخرى :
 
]وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا[ .
(سورة الأحقاف)
 
1 – أقلُّ مدة الحمل ستة أشهر :
       استنبط العلماء من هاتين الآيتين أنه : يمكن للحمل أن يكون في ستة أشهر ، هذا حدُّه الأدنى ، فإذا ولدت زوجة من حملها في ستَّة أشهر فهذا ابنه في نظر الشرع ، لأنه أدنى حد للحمل ستَّة أشهر من موازنة الآيتين ببعضهما ..
 
        
﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي ﴾
 
 أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
 
1 – مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ :
 
هنا المشكلة ..
        
﴿ وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
 
قال عليه الصلاة والسلام :
((مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ )) .
[من سنن الترمذي عن أبي سعيد]
هناك نمط غير مقبول ، نمط أَرْعَن ، أنه إذا جاء لإنسان خير من إنسان يقول : هذا سخَّره الله لي ، هو ليس له فضل ، أنا أشكر الله عزَّ وجل ، هذا الموقف غيرإسلامي ، وغير شرعي ، ومخالف للسُنَّة ، لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
((مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ )) .
الدليل : إذا جاءك معروف من خلال مخلوق ليس مخيَّراً ، أي مسيَّراً ، فأحياناً يحدث شيء في عالَم الطبيعة ، يُساق لك خير لامن طرف إنسان مخيَّر ، بل من طرف حيوان أعجمي ، طبعاً الشكر وحده لله عزَّ وجل ، لكن إذا جاءك خير من طرف إنسان مخيَّر ، فالله عزَّ وجل هو الأصل في هذا المعروف ، هو الذي سمح له أن ينفعك ، وهو الذي ألهمه أن ينفعك ، هو ألهمه وسَمَحَ له ، هو الذي جعل هذا المعروف يتَّجه إليكَ .
إذاً : الله عزَّ وجل هو أصل هذا المعروف ، إذاً الشكر لله أولاً ، لكن هذا الإنسان المخلوق ، المخيَّر ، وباختياره أراد أن ينفعك ، ألا يستحقُّ أن تشكره ؟ فلذلك المؤمن لا ينسى المعروف ، بل إن من أخلاق المؤمن أنه إذا فعل معروفاً مع الآخرين نسيه وكأنه لم يفعله ، أما إذا فعل الآخرون معه معروفاً ذكره حتَّى فلا ينساه ، هذا شأن المؤمن ، والنبي عليه الصلاة والسلام أكَّد على هذا المعنى ، وربنا عزَّ وجل يقول :
 
]وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [.
(سورة البقرة)
       فبائع مثلاً يقول للمشتري : أخي رزقي على الله ، هذا المشتري اشترى من عندك كميَّة ضخمة ، يحتاج إلى مؤانسة ، إلى ملاطفة ، هذا الموقف المتعجرف المنسوب إلى توحيد موهوم ، هذا موقف غير إسلامي ، وهذه الآية تؤكِّد ذلك :
 
      
﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾
 
2 – الشكر لله وللوالدين :
لأنني سُقْتُ لك هذا الخير عن طريق والديك ، هما قضيا وقتاً طويلاً في رعايتك ، في حملك ، في تغذيتك ، في تربيتك ، في تنميتك ، إذاً يجب أن يتَّجه شكرك لله أولاً ثمَّ لوالديك اللذين كانا سبب وجودك ، واللذين كانا ممرَّ فضل الله عزَّ وجل إليك ..
 
      
﴿ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾
 
     لماذا يجب أن تشكر الله عزَّ وجل ؟ لأنه إليه المصير ، هو الأول والآخر ، والظاهر والباطن .
3 – موقف المسلم من الوالدين غير المسلمَين :
الآن عندنا مشكلة أخرى هي : أن هذا الأب الذي أعطاه الله هذه المكانة ، ورفع الإحسان إليه حينما عطف الإحسان إليه على عبادته ، هذا الأب قد يكون ضالاً ، وقد يكون كافراً ، وقد يكون عاصياً ، وقد يكون فاسقاً ، فما موقف الابن البار من أبٍ منحرف ؟جاء الجواب :
 
      
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ﴾
 
 لا طاعة لوالدين في الشرك والمعصية :
 
هنا معنى الشرك أي على أن تطيعهما وتعصيني : طلقها يا ابني ، طلقها لم أحبها ، الزوجة جيدة ممتازة ، من أجل أن أرضي نزوة أبي أطلِّق زوجتي ، فهنا الشرك بمعنى أن تطيع والديك على حساب طاعتك لله ، أمرك أبوك أن تتعامل مع الناس في تجارتك تعاملاً ربويَّاً يقول : برضاي عليكَ افعل كذا ، فإذا كنت مجاملاً ، وأطعت الأب ، وعصيت الرب ،  فقد وقعت في شركٍ عظيم ، جعلته إلهاً يُطاع من دون الله ، مع أنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق .. أم سيدنا سعد قالت له : " إما أن تكفر بمحمَّد ، وإما أدع الطعام حتَّى أموت " ، فأجابها سيدنا سعد ببرودة ، وقال لها :  " يا أمي ، لو أن لكِ مائة نفسٍ فخرجت واحدةً وَاحدةً ، ما كفرت بمحمَّد ، فكلي إن شئتِ أو لا تأكلي " ، وبعد هذا أكلت ..
 
      
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾
 
الحدود الشرعية لا مساومة فيها : 
 
في حياة المؤمن قضايا ليست خاضعةً للمساومة ، الآن في المؤتمرات واللقاءات شروط مسبقة ، مثلاً، هذا الموضوع لا يمكن أن يُدْرَجَ في جدول الأعمال ، إذا أردتم اللقاء والمناقشة ، احذفوا هذا الموضوع ، وكذلك المؤمن إذا تناقش مع الآخرين هناك موضوعات ليست خاضعةً للمساومة أبداً ، فيدعوك شريكك إلى معصية الله فتقول : يا أخي استحيت ولم أقدر ، الله بعث لنا رزقا سوياً ، هذا كلام فارغ ، وليس له معنى أبداً ، ضغط عليك والدك ، أعطاك بيتاً ، ضغط عليك والدك كي تعصي الله يقول لك : لا تفرِّق العائلة يا بني ، الله يرضي عليك ، نحن هكذا تربينا ، فهل أنتم شرع ؟! عندنا شرع ، فأحياناً يأتي للإنسان ضغوط من والديه لتطبيق شيء ، أو لمخالفة الشرع ..
 
      
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ﴾
 
معنى تشرك هنا بمعنى أن تعصيني ، وأن تطيعهما ، في مصلحة دنيويَّة ..
      
﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾
 
 مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
 
       بعض المفسِّرين قالوا : ]مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[  ، أي أراد من نفي العلم نفي الوجود ، أحياناً الإنسان يقول : فلان لا شيء ، هو شيء ، ووزنه خمسة وثمانون كيلوا ، كيف لا شيء ؟ ولكن يقصد لا شيء ، أي ليس له قيمة ، أحياناً نعبِّر عن نفي الوجود بنفي العِلم ، يقول لك : فلان ، فيرد قائلاً: من هو فلان ، لا أعرفه ، هو يعرفه ، ولكن لا يعرف له مكانةً ..
 يقولون هذا عندنا غير جائزٍ    فمن أنتمُ حتى يكون لكم عندُ
***
أحياناً ننفي العلمبالشيء كي ننفي الشيء ، أو ننفي قيمته ، فربنا عزَّ وجل ، إذا قال له أبوه : هذه تقاليد ، والعادات ، هكذا نشأنا ، هكذا ربينا ، هكذا نحن في بلدنا ، هذا كلام ليس له معنى إطلاقاً ..
      
﴿ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾
 
يقول لك : في العرس يجب أن تدخل ، وأن تصمد أمام الآخرين ، أمام النساء ، هكذاالعادات ، لكي لا يظنوا أن فيكَ عاهة يا بني ، هذا خلاف الشرع ، فهناك أمثلة كثيرة جداً ؛ من اختلاط ، من أكل مال حرام ، من احتفالات كلها لا ترضي الله عزَّ وجل ، وهذه مشكلة يعانيها الشباب ، إذا تاب شاب إلى الله توبة نصوحاً يعاني من أهله ، يعاني من ضغوط اجتماعيَّة ، من طرف الأهل ، فإذا أراد أن لا يجري اختلاطاً في حياته الاجتماعيَّة يُتَّهم بالمجافاة ، والعداوة ، ويسيءُ الظن بإخوته ، فتُفسَّر طاعته الله تفسيرات ما أنزل الله بها من سلطان ، هنا :
 
      
﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾
 
لكن ..
      
﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾
 
 لكن مع ذلك وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً
 
صاحبهما في الدنيا مصاحبةً لا ينكرها الشرع ، ولا ينكرها الكَرَم ، هناك شخص إذا أعطاه أبوه توجيهاً خلاف الشرع يقول له : أنت لا تفهم ، أنت كافر ، أعوذ بالله ، هذا جفاء ، يمكن لك أن تعتذر عن تلبية طلب من والديك بأدبٍ جم ، يمكن أن ترفض تنفيذ طلب لوالدك بمنتهى اللطف ، هنا قوله تعالى :
 
      
﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً﴾
 
كن كريماًمعهم ، واسِهِم ، قدِّم لهم الخدمات تلو الكلمات ، ليِّن كلامك معهم ، هذا كلُّه مطلوب ، ولو كانوا على خلاف ما تريد ، ليس هذا من شأنك ، أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك ، هذه قاعدة ، لكن تقول لي : والله إنّ والدي جعلني أفعل كذا خلاف الشرع ، هكذا أحب والدي ، معنى هذا أنت صفر ، أنت لا شيء ، أين استقلاليتك ؟ أين إيمانك ؟ أين عزيمتك ؟ أين ورعك ؟ لكن أرجو الله عزَّ وجل أن يكون الآباء في المستوى المطلوب .
 
مشكبة معاكسة :
 
هناك مشكلة معاكسة : الأب يأمر بالصلاح والابن لا يستجيب ، هذه مشكلة ثانية ، لكن توجد حالات معيَّنة كأن يأمر الأب بما لا يأمر به الله عزَّ وجل ، والقاعدة : لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق ..
 
      
﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
 
الذي أعقب النهي الأول :
 
      
﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ َ﴾
 
 لا بدّ من مرجعية وطريق صحيحة : وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
 
فلابدَّ لك من مشربٍ صحيح . ))
(( ابن عمر ، دينك ، دينك ، إنه لحمك ودمك ، خذ عن الذين استقاموا ، ولا تأخذ عن الذين مالوا )) .
[ كنز العمال عن ابن عمر ]
الإنسان الذي رجع إلى الله رجع ، رجع إليه بأوامره ونواهيه ، رجع إليه بعلمه ، وأطاعه ، هذا اتبع سبيله ..
 
       
﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
 
 المرجع والمصيؤ إلى الله :
 
أنبِّئكم بحقيقة أعمالكم ، وأنبِّئكم بنتائج أعمالكم ، أنت على صواب وأنت على خطأ ، وهذه النتيجة كانت كذا وكذا ..
       
 
 ﴿ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
 
وفي درسٍ آخر إن شاء الله نتابع تفسير هذه الآيات بفضل الله وعونه .
 
والحمد لله رب العالمين
 
 

 



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب